سناء البوعزاوي
لربما تبادر إلى ذهنك يوما ما وتساءلت، ما سبب نسيانك المتواصل للأشياء التي تخفيها، أو فقط مكان وضعك لمفاتيح السيارة أو البيت أو أرقامك السرية وغالبا يأتيك إحساس بالقلق لكونك لربما لا زلت شابا أو شابة أو بمعنى آخر في عمر تقيم أنه من المستبعد أو من الغريب جدا أن تبدأ وظائف الدماغ في عدم القدرة على التذكر أو التركيز .
ضعف الذاكرة هي متلازمة والشائع أنه متداول أكثر عند كبار السن ،لكن حاليا حتى صغار السن والشباب يعانون من النسيان و ضعف الذاكرة ، مما يؤثر سلبا على دراستهم وتحصيلهم العلمي ، الشيء الذي دق ناقوس الخطر و بقوة و أصبح من الضروري معرفة الأسباب لإيجاد الحلول الناجعة لحل هاته المعضلة التي أصبحت تؤرق حتى الطلاب، الذين ما يلبثون أن ينهلوا علما حتى ينسوه البثة !
من أهم أسباب النسيان على المدى البعيد و ضعف الذاكرة، عدم الشعور بالراحة البدنية والعقلية المرتبطة أساسا بقلة ساعات النوم ، أو عدم تنظيمه ، إضافة إلى الإضطرابات النفسية بشكل عام ، ونذكر منها الإكتئاب على وجه الخصوص ، وكذا القلق و التوتر ، ناهيك عن اضطراب هرمون مهم لجودة صحة وظائف الجسم ، ألا و هو الغدة الدرقية ، و بالطبع التقدم في السن الذي يعتبر شيئا ما عاملا بديهيا ، إذا لم نقل الشيخوخة ، و التي قد يصل بها الإنسان إلى الإصابة بالمرض المعروف حاليا بألزهايمر .
أما حالة النسيان على المدى المؤقت تكون أسبابه مرتبطة بتعاطي المخدرات مثلا أو الإفراط في المشروبات الكحولية التي تخمر وظائف العقل ، إضافة إلى عامل الأمراض ، كالسكتة الدماغية وعدم وصول الأوكسيجين إلى الدماغ بشكل كافي ، إضافة إلى الأورام و الإلتهابات الفيروسية في الدماغ ،مرورا بالتناول المفرط للمهدئات الذي يعرض الإنسان إلى النسيان المفاجئ.
وفي عصرنا الحالي ومع متطلبات وحاجيات الشباب ، أصبح القلق و التوتر العاطفي و إرهاق الذهن في التفكير بشكل غير منقطع في المستقبل ، أصبحت هاته الفئة الديموغرافية عرضة كذلك ، وبشكل كبير ومخيف للنسيان ، حتى يتساءل البعض كيف سيكون الحال عند الشيخوخة ، مع هذا المعطى في سن يافع.
ولكي لا نمر مرور الكرام على البراعم الصغار ، ونعطيهم حق أسباب النسيان ، حتى يتساءل البعض كيف سيكون الحال عند الشيخوخة مع هذا المعطى في سن يافع .
ولكي لا نمر ، مرور الكرام على البراعم الصغار ، ونعطيهم حق أسباب النسيان لديهم في وقتنا الراهن ، سنختصرها في سببين رئيسيين :
اللعب المفرط في ألعاب الفيديو و الإلتصاق بالشاشات لساعات طوال خلال اليوم .: أولا
ثانيا: مشاكل الوالدين التي تنبثق أمام أعين الأطفال والتي يستمر مداها إلى أيام ولا أحد من الوالدين يمر بدون نهج “شعرة معاوية” ، أو على الأقل المناقشة بعيدا عن مرأى ومسمع فلذات أكبادهم .
هذان العاملان بالضبط يؤرقان تفكير ونفسية الأطفال ، وعوض أن يركزوا على دراستهم خلال الفصل ، يبدؤون بالشرود والنسيان ويحسون بضعف في الذاكرة .
إذن فالحل واضح لهاته الفئة العمرية ، أما بالنسبة للشباب فهناك حلول بسيطة وناجعة في معظم الأحيان لتحسين وظائف المخ ، والذاكرة بانتظام و إعطاء الدروس و المواد حقها و تقييمها و فهمها جزءا ، جزءا يساعد على تذكرها من بعد بسرعة، عوض المذاكرة والحفظ في حصة واحدة .
-إعطاء الجسد و الدماغ الحصة الكافية للراحة من خلال النوم الجيد واحترام الساعات البيولوجية ، حيث أن كمية الساعات ليس مهما في النوم في الفترة الصباحية ، بقدر الكيفية في فترة الليل و التي يقيمها الباحثون في هذا المجال من التاسعة أو العاشرة ليلا إلى الخامسة صباحا ، حيث أنه ، في هذا الحيز من الوقت يقوم الدماغ بإنشاء عمليات الربط التي يستخدمها لإنشاء الذكريات .
-تنشيط الدماغ البشري من خلال الانخراط في ألعاب الشطرنج ، أو الكلمات المتقاطعة ، أو تعلم لغة جديدة ، أو المشاركة في مناقشة الأفكار حول موضوع ما مثلا ، فهذا يعطي العقل نفحة جديدة ، ومتنفسا ، يسع المعلومات الجديدة ، ويثبت القديمة منها ، فكما نحاول تغدية عضلاتنا و تقويتها لأنها هي أساس جسم سليم ، فالدماغ أيضا له عضلات تقوى بالتغذية طبعا و موازاة مع التمارين الدماغية و مطالعة الكتب و القصص إلى غير ذلك .
أما من الجنب الأكل ، فهناك مواد غذائية أكد الخبراء أن لها مفعولا قويا في تنشيط الذاكرة ، نذكر منها :
-الأسماك الدهنية الغنية بالأوميجا 3 , مثل السلمون ، السردين ، التونة ، الرينكة ، لأن تكوين المخ الأساسي هو الدهون بنسبة 60% ,لذا فهذا المعدن الذي يتواجد بالأسماك يمد المخ باحتياجاته ، فيقوم بتجديد الخلايا العصبية التي تقلل الشيخوخة للمخ ، و تحسن مراكز الذاكرة و التعليم في الدماغ ، وهناك دراسة تربط بين هاته المادة و تحسين أعراض الزهايمر ، و فقدان الذاكرة ، لذا فمن المهم جدا استهلاك الأوميجا 3 ، مرتين في الأسبوع ، أو تعوضها بالمكملات الغذائية .
-الشكولاتة السوداء : و التي تحتوي على أكثر من 70% من الكاكاو بدون سكر مضاف ، حيث تتكون الشوكولاتة من مضادات الأكسدة من أهمهم “الفلافونايد” التي تقلل من الضغط ، و تحسن وظائف المخ ، و تحسن الذاكرة وتقلل كذلك من شيخوخة المخ الذي يسمى باللغة الإنجليزية
« The brainage »
-القهوة : وكما يبدو بديهيا لأغلب الناس أن القهوة تساعد على التركيز . لذا تجد أغلب الأشخاص في فترة عملهم يستعينون بها ، وكذا الطلاب عند فترات الإستعداد للإمتحانات، حيث تقلل من الإحساس بالتعب أو الرغبة في النوم ، زيادة على مكوناته من مضادات الأكسدة ، المفيدة للمخ و بالطبع لا يفوتنا حجب الستار عن أضرارها عندما تستهلك بكثرة خصوصا على القلب ووظائفه ، وبالنسبة لمرضى الضغط و الشرايين ، وكما جرت العادة دائما ننبه في مقالاتنا إلى مقولة أن أي شيء يستهلك في هذا الكون ، إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده.
وختاما يجدر القول ، أنه يجب عدم القلق لمجرد نسيان شيء أو علم ، أو إنسان لمرة واحدة فقط،و في بعض الأحيان يقول العلماء أن حتى الجو القارس يؤثرعلى وظائف المخ و خصوصا الذاكرة ، حيث تضيق الشرايين في الدماغ بسبب البرد القارس جدا ما يؤثر سلبا على مرور الدم وتدفقه بسلاسته المعتادة ، بينما إذا تكرر الموضوع لمرات كثيرة ومتقاربة الزمن ، فهنا على الشخص مراجعة طبيب مختص ليشخص الحالة ،ويضع الأصبع على موطن الخلل هل هو على مستوى الذاكرة الحسية المتعلقة بالحواس الخمس ، أم الذاكرة قصيرة المدى ، أو بالأحرى الذاكرة طويلة المدى المسؤولة عن اكتساب الخبرات الحياتية ، وربط المعلومات ببعضها البعض وبعد معرفة الأسباب ، يمر إلى العلاج مباشرة .
هنالك مقولة شهيرة ، تقول أن الإنسان سمي إنسانا لأنه ينسى …، فبعض الأحيان يكون النسيان نعمة كبيرة في حياة الإنسان ، خصوصا إذا كانت تلك الذكريات مؤلمة أو تذكر بفقدان شخص عزيز… إلى غير ذلك ، فرب ضارة نافعة ، و حتى الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ذكر في هذا الباب في حديث له ” رفع عن أمتي ثلاث : الخطأ و النسيان ، وما استكرهوا عليه ” ، وهذا دليل قوي على رحمة الله تعالى بعباده ، فاللهم لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا .