شهدت الساحة الدولية خلال الأيام الأخيرة تباينات واسعة في ردود الأفعال تجاه قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي تمثلت في رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى 125%، مقابل تعليق مؤقت للرسوم على عدد من الدول الأخرى لمدة 90 يوماً.
هذه الخطوة أعادت إلى الواجهة التوترات التجارية بين واشنطن والعالم، ودفعت بعدة دول إلى اتخاذ مواقف متفاوتة، تراوحت بين التصعيد، والدعوة للتكتل، والتريث في الرد.
في أستراليا، رفضت الحكومة عرضاً صينياً للتعاون من أجل التصدي لسياسات ترامب التجارية. فقد أكد ريتشارد مارلز، نائب رئيس الوزراء الأسترالي، أن بلاده لن تدخل في أي تعاون دولي مع الصين ضد الرسوم الأميركية، مشيراً إلى أن أستراليا تفضل تنويع شركائها التجاريين وتقليل اعتمادها على الصين، رغم أنها الشريك التجاري الأول لها.
وأوضح مارلز أن الحكومة الأسترالية تسعى لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع أوروبا، وإندونيسيا، والهند، وبريطانيا، ودول الشرق الأوسط، في خطوة تهدف إلى تعزيز صلابة الاقتصاد الأسترالي في مواجهة الاضطرابات العالمية.
في المقابل، ردت بكين بلهجة تصعيدية، متوعدة باتخاذ تدابير مضادة رداً على القرار الأميركي الأخير. وأكدت الصين على لسان عدد من مسؤوليها، أبرزهم وزير التجارة والمتحدث باسم وزارة الخارجية، أنها مستعدة لـ”القتال حتى النهاية”، في حال أصرت واشنطن على نهجها. كما شددت بكين على تمسكها بالحوار كوسيلة لحل الخلافات، لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما مُسَّت مصالحها الحيوية.
وفي الوقت الذي تصاعد فيه التوتر بين أكبر اقتصادين في العالم، شهدت أميركا اللاتينية تحركاً جماعياً غير معتاد. خلال قمة لقادة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي في هندوراس، دعا الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا إلى تشكيل جبهة موحدة ضد الإجراءات الاقتصادية الأميركية.
وقال إن الرسوم الجمركية “التعسفية” تؤدي إلى زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي، محذراً من تداعياتها على أسعار السلع في الأسواق. وساندت هذه الدعوة دول مثل المكسيك وكولومبيا، حيث أجمع القادة على ضرورة التكافل والتعاون لمواجهة ما وصفوه بـ”إعادة رسم خريطة الاقتصاد العالمي دون استشارة شعوب المنطقة”.
أما على الجانب الآسيوي، فقد اختارت دول رابطة آسيان مسار التهدئة. وفي بيان مشترك عقب اجتماع افتراضي، أكد وزراء اقتصاد دول جنوب شرق آسيا أنهم لن يردوا بإجراءات انتقامية على الرسوم الأميركية، رغم قلقهم العميق إزاء آثارها.
واعتبروا أن الحوار البنّاء مع واشنطن هو الخيار الأمثل لحل الخلافات، خاصة أن الولايات المتحدة تظل أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية في المنطقة وثاني أكبر شريك تجاري لها.
وفي أوروبا، أعلنت المفوضية الأوروبية أنها ستتريث في اتخاذ أي قرار بشأن الإجراءات الأميركية الجديدة. وقالت في بيان رسمي إنها ستجري مشاورات مكثفة مع الدول الأعضاء والقطاعات الاقتصادية المتضررة، قبل تحديد موقفها النهائي، في وقت يبدو فيه الاتحاد الأوروبي حريصاً على تجنب التصعيد مع واشنطن.
بين الرفض الصريح، والدعوات للتوحد، وخيارات التريث، يبدو أن القرارات التجارية للرئيس الأميركي قد وضعت الاقتصاد العالمي مجدداً أمام منعطف حرج، في وقت يعاني فيه من تبعات حروب سابقة وجائحة لم تُمح آثارها بالكامل بعد.