لو استطاعت الحكومة أن تفهم أن المؤسسات الدستورية، المكلفة بالحكامة، هي في خدمتها وليست ضدها لتمكنت من الخروج من أزمة التدبير التي تعيشها، وهكذا كلما صدر تقرير عن مؤسسة دستورية رفعت “شوكتها” إلى السماء، زاعمة أنها تقارير مسيسة مع العلم أن هذه المؤسسات ليست انتخابية، ومنها بنك المغرب والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجلس الأعلى للحسابات وهيئة الوقاية من الفساد.
نكتب هذا مطالبين الحكومة بالإنصات الصادق لتقرير هيئة النزاهة والوقاية من الفساد التي أصدرت تقريرا، عقب ورشة العمل حول “مخاطر الفساد في قطاع الصحة، سلسلة القيمة الخاصة بالمنتجات الطبية والقطاع الطبي الخاص”، وأهم ما أحاط بالتقرير تشديد بنعليلو، رئيس الهيئة المذكورة، على ضرورة إعادة قراءة الواقع الصحي في البالد، ورصد ما ترسخ من ممارسات ماسة بشروط النزاهة، وتحديد مواطنها، وما تقتضيه المعايير الدولية من تدخل لتداركها.
الرجل لم يقل عيبا ولم ينتهك عرفا، وكل ما قام به هو دوره الذي يخوله له الدستور، ليدق ناقوس الخطر ويقول بعبارة نوجزها فيما يلي: قطاع الصحة مريض بالفساد. وجاء التشخيص على شكل “منين ضربتي القرع يسيل دمو”: مخاطر التلاعب والتزوير والمحسوبية والفساد، فيما يتعلق بالأدوية والمنتجات الطبية، قائمة رغم كل المجهودات المبذولة، كما أن القطاع الصحي الخاص، ورغم تطوره المهم، يعاني من بعض الثغرات التنظيمية ومحدودية آليات المراقبة، وهو ما خلق بيئة مواتية أحيانا لنشوء بعض الممارسات غير النزيهة مثل الفوترة الوهمية، والتدخلات غير الضرورية. المواطن المغربي يطالب بالحق في الولوج العادل والمنصف إلى خدمات الصحة والتطبيب، بعيدا عن كل مظاهر الفساد والانحراف والتمييز.
وهذا دور الحكومة التي عليها أن تبحث عن مخرج لمرض قطاع الصحة. المغاربة لم يعودوا مرتاحين للولوج إلى الخدمات الصحية بشكل كامل، ألن الفساد المستشري يقف حجر عثرة أمام ولوجهم إلى خدمات صحية جيدة، ما يعكس وضعا غير مرض وغير مقبول، خاصة حينما نأخذ بعين الاعتبار أن واحدا من كل خمسة مواطنين مستجوبين في الدراسة التي أنجزتها الهيئة، يعتبر الصحة أولوية قصوى، وأن نسبة ممن تواصلوا مع المنظومة الصحية ربما اضطروا بشكل من الأشكال ُ إلى دفع رشاوى أو طلب منهم ذلك.
لو توفرت الحكومة على أذن صاغية، فإن الورش تجاوز التشخيص، إلى صياغة التزامات ومسارات عملية واضحة للتغيير، ألن مشروع إعداد خارطة لمخاطر الفساد في قطاع الصحة، سيشكل لبنة معرفية ومنهجية أساسية لرصد مواطن الفساد، وتحديد أسبابه، وتقدير تواتره وشدته، وتقديم مبادئ توجيهية وحلول ملموسة للحد منه. إننا أمام خطر داهم وهادم لكل التوجهات التي يسير فيها المغرب وضارب في عمق الخطة المغربية لتغطية صحية شاملة، أقرها المغرب منذ مدة وشرع في تنزيلها، وغياب الثقة في ولوج المؤسسات الصحية أكبر ضربة يمكن أن توجه لهذا المخطط.