لسنا في وارد أن ننبري للدفاع عن المجلس الأعلى للحسابات، وهو يتوفر على كافة الأدوات للدفاع عن نفسه وعن مسؤوليه وموظفيه، ولكن من الإنصاف القول إنه لا يتوفر على كثير من الأدوات القانونية لممارسة أية سلطة دستورية تجاه الأحزاب السياسية، التي أرادت التغول السياسي ضده لأنه لا يمارس السياسة، وطبعا ستربحه في معركة “الدعاية”، لكن لن تربح معركة رد الحجة بالحجة.
ليس كل ما يصدر عن المجلس الأعلى للحسابات يفيد الحقيقة المطلقة، لكن ليس الغلط في التقييم مثل المغالطة السياسية، لأن التقارير ينتجها بشر وفق معايير معينة، وأحيانا قد يخون التقدير من ينجز تقريرا، لكن من المستحيل أن يكون الخطأ شاملا كل الأحزاب السياسية، التي زعمت أن المجلس الأعلى للحسابات اتهمها دون دليل.
لم يقل المجلس شيئا دون تعليل، قد يقع سوء تفاهم بين الحزب والمجلس في حدود الوثائق المقدمة، وقد يظهر رد الحزب مقنعا بغض النظر عن الخلفيات وما لدى المجلس من وقائع تغيب عن القارئ، مثل رد حزب العدالة والتنمية في واقعة حصول الوزير السابق مصطفى الخلفي على مبلغ مالي مخصص للدراسات، لكن ماذا سيقول حزب الاتحاد الاشتراكي عن واقعة تقديم “مقالات” على أساس أنها دراسات.
ومن باب التحدي على الحزب أن ينشر هذه الدراسات، وفق تسمية الحزب، والمقالات، ووفق تسمية المجلس الأعلى للحسابات، كي ينظر المتخصصون المحايدون فيما إذا كانت دراسات أو مقالات، وبالتالي الحكم عليها من هذا المنظور، والمجلس الأعلى لديه معايير للدراسات، وهي معايير متعارف عليها، فليكن التحدي وتعرض القضية للعموم حتى يتم التحاكم إلى متخصصين لا ينتمون إلى هذه الجهة أو تلك.
لو ركز المجلس الأعلى للحسابات على حزب دون الآخرين، لتم الشك في استهداف طرف سياسي، ولكن الأمر يتعلق بأغلب الأحزاب السياسية، ونستبعد أن يكون للمجلس نية تبخيس العمل السياسي، في وقت تسعى مؤسسات الحكامة، إلى ضرب جيوب الفساد بالأحزاب السياسية، لأنها هي التي تمهد للفساد في باقي المؤسسات، خصوصا وأن الحكومة اليوم تنبثق من البرلمان والحكومة هي التي تعين في المناصب السامية.
إذن المجلس الأعلى للحسابات لديه رؤية ولديه معايير، وشملت انتقاداته أغلب الأحزاب السياسية، التي إما أنها لم تقدم دراسات، أو أنها لم تقدم وثائق إثبات صرف هذه الأموال على الدراسات، أو أنها تعاملت بما يسمى عند التجار “ببيع الجملة”، حيث قدمت فاتورة منسوبة لمكتب دراسات تتضمن المبلغ المذكور دون تفصيل.
لكن وللإنصاف ينبغي التأكيد على أن حزب التقدم والاشتراكية، يستحق لقب أقدم حزب بالمغرب، لأنه رفض هذا الدعم الإضافي بالنظر لغموض أوجه صرفه.
وينبغي أيضا إنصاف المجلس الأعلى للحسابات والقول إنه ينبغي أن يتوفر على ترسانة قانونية تسمح له باستعادة الأموال “الملهوفة” بدل إصدار تقارير للتنبيه فقط، بعد أن تكون الأموال قد صرفها أصحابها.