في قرار يعكس توازن المصالح الاقتصادية والتجارية بين باريس والرباط، رفض مجلس الدولة الفرنسي دعوى تقدمت بها الكونفدرالية الفلاحية الفرنسية تطالب بحظر استيراد بعض المنتجات الفلاحية القادمة من المغرب، لا سيما الطماطم والبطيخ، بذريعة أن منشأها يشمل منطقة الصحراء المغربية.
واعتبرت أعلى هيئة قضائية في فرنسا أن المسألة تدخل في نطاق السياسة التجارية المشتركة للاتحاد الأوروبي، وهو ما يمنع باريس من اتخاذ قرار أحادي الجانب بوقف استيراد هذه المنتجات. كما شدد القرار على أن وزارتي الاقتصاد والفلاحة الفرنسيتين غير مخولتين قانونيًا بفرض مثل هذا الحظر، ما يعد نكسة جديدة لمحاولات الكونفدرالية الفلاحية الحد من دخول المنتجات المغربية للأسواق الفرنسية.
وكانت الكونفدرالية الفلاحية قد استندت في دعواها إلى قرار سابق لمحكمة العدل الأوروبية، صدر في أكتوبر 2024، يقضي ببطلان اتفاقيات الفلاحة والصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، على اعتبار أنها تشمل الأقاليم الجنوبية المغربية. غير أن المفوضية الأوروبية وكبار المسؤولين في بروكسل أكدوا التزامهم بمواصلة الشراكة مع الرباط، في ظل مصالح اقتصادية واستراتيجية عميقة تربط الجانبين.
وبالفعل، أيدت محكمة العدل الأوروبية استمرار العمل بالاتفاقيات لمدة 12 شهرًا إضافية، وهو ما يمنح الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هامشًا زمنيًا لتكييف مواقفها. ورغم ذلك، جددت الكونفدرالية الفلاحية الفرنسية مطالبها بفرض قيود تجارية على المنتجات المغربية، بحجة أنها لا تحمل عبارة “الصحراء الغربية” كمنشأ لها.
يرى مراقبون أن تحرك الكونفدرالية الفلاحية يعكس المنافسة الشرسة بين المنتجات المغربية والفرنسية داخل السوق الأوروبية، حيث باتت المنتجات القادمة من المغرب تتمتع بجودة عالية وأسعار تنافسية، مما أثر على حصة المزارعين الفرنسيين في السوق المحلي.
وتعزز هذا التنافس خلال السنوات الأخيرة مع تنامي صادرات المغرب من الفواكه والخضروات إلى الاتحاد الأوروبي، حيث باتت المملكة إحدى أبرز الدول المصدرة للطماطم والبطيخ إلى السوق الفرنسية، مدعومة بمزايا مناخية تسمح لها بتوفير إنتاج منتظم على مدار السنة، فضلاً عن تكاليف إنتاج أقل مقارنة بالمزارعين الأوروبيين.
ورغم الجدل القانوني والسياسي الذي يحيط بالاتفاقيات التجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، تواصل المملكة توسيع حصتها في السوق الأوروبية، مستفيدة من الطلب المتزايد على منتجاتها الزراعية. كما بدأت الرباط في استكشاف أسواق جديدة داخل القارة الأوروبية، مستغلة الاضطرابات التي تواجهها بعض القطاعات الفلاحية في دول الاتحاد.
في المقابل، أكد المغرب في أكثر من مناسبة أنه غير معني بقرارات المحاكم الأوروبية حول اتفاقياته التجارية مع الاتحاد الأوروبي، مشددًا على أن الشراكة الاقتصادية بين الجانبين تحكمها المصالح المتبادلة، وليس الضغوط السياسية أو القانونية.
وبهذا القرار، يغلق مجلس الدولة الفرنسي الباب أمام محاولات الكونفدرالية الفلاحية التأثير على السياسة التجارية لباريس، في وقت تؤكد فيه المؤشرات أن المنتجات المغربية ستواصل ترسيخ وجودها في الأسواق الأوروبية، رغم التحديات القانونية والسياسية.