الأصل في مراكز الدراسات هو أن تنتج المادة العلمية بغض النظر عن نتائجها وبغض النظر عن الدارس والمدروس، ويمكن للجميع أن يستفيد من ذلك وفق قراءته لها، لكن هذه المراكز تحولت في الغالب الأعم إلى مجرد أدوات لتقديم القراءة نيابة عن الآخرين، حيث تقوم بخدمة السياسيين، وترى كل حزب وتنظيم وجمعية يؤسس مركزا تابعا له وكأن الدراسات لا تخضع لشروط علمية منطقية وبالتالي يضيق الخلاف حولها، لكن بما أن الغرض ليس علمي فقد تجد لكل تشكيلة عشرات التشكيلات الصغيرة تحت عناوين مراكز الدراسات.
أثار انتباهنا دراسة أجراها مركز للدراسات في الآونة الأخيرة، تتناول الصحافة الحزبية وأساسا المواقع الرقمية التابعة للأحزاب السياسية، وأعطت الدراسة التفوق لموقع العدالة والتنمية، وفق نتائج “استمزاج” الرأي. في البداية وقبل مناقشة موضوع الدراسة تجدر الإشارة إلى أن موقع العدالة والتنمية يتم تصريفه كموقع إخباري ينشر كافة الأخبار وداخلها ينشر أخبار الحزب بينما مواقع حزبية أخرى تكتفي بتقديم كل ما هو حزبي..وفي هذا نظر لأن الباحث لما يدخل موقعا حزبيا يكون في حاجة إلى مادة إعلامية واضحة.
لكن لما بحثنا عن المركز تبين لنا أنه مركز تابع للعدالة والتنمية أو أطرافها، وتم فيه توظيف بعض الصحفيين السابقين بصحيفة حركة التوحيد والإصلاح، وبالتالي يتم هنا طرح مبدأ الموضوعية في هذا الرهان الدراسي، حيث تتحول الذات المدروسة نفسها إلى ذات دارسة، وهنا نقع في التناقض.
وليست المرة الأولى التي يقوم فيها الحزب والحركة بمثل هذا التوظيف، حيث سبق للمركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، أن أصدر كدأبه كل سنتين تقريرا عن الحالة الدينية بالمغرب، ورغم أنه ينتمي للحالة الدينية المدروسة يصبح هو نفسه دارسا، فالمركز المذكور أسسه مصطفى الخلفي الوزير السابق والقيادي في العدالة والتنمية والتوحيد والإصلاح، الحركة التي تنتسب للدين ومع ذلك تقوم بقراءة تدين المغاربة وتحكم عليه بينما هي أصلا جزء من الموضوع المدروس.
ما يقوم به العدالة والتنمية يوجد بشكل خفيف عند بعض الأحزاب الأخرى، لكن هو تقليد مشرقي منقول والحزب والحركة لم يبدعا شيئا منذ ولادتهما، فهما ظلا عالة على المشرق، والمثنى هنا مجرد تحديد إجرائي وإلا أننا نتحدث عن شيء واحد وموضوع واحد هو التوحيد والإصلاح وأداتها الوظيفية. وهذا التقليد انتقل رمزيا وعمليا مع “مؤمنون بلا حدود” و”مركز مغارب” وغيرها من الأدوات التي لا تخدم المعرفة ولكن تخدم الإديولوجية.
على مقربة من الانتخابات سيتم توظيف كل الوسائل لهدف واحد هو جلب الأصوات، ووسط هذا التنافس ستفقد كل الأدوات قيمتها لأنها سوف تتحول مجتمعة إلى وسيلة لجلب الناخب. الجمعية والمؤسسة والعمل الخيري ومراكز الدراسات، التي تحصل على الدعم العمومي بغرض تقديم الخدمة العمومية، (تتحول) إلى خدمة الفاعل الحزبي.