كشف عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب ، أن البنك المركزي يواصل اعتماد التدابير الاستثنائية التي تم اتخاذها إبان الأزمة الصحية لتجنب كبح الانتعاش، وأوضح الجواهري، خلال ندوة نظمها بنك المغرب بشراكة مع صندوق النقد الدولي والمجلة الاقتصادية لبصندوق النقد الدولي، تحت شعار “انتعاش تحولي.. اغتنام الفرص التي تتيحها الأزمة”، أنه “على مستوى بنك المغرب، نواصل اعتماد التدابير الاستثنائية التي قمنا باتخاذها خلال الأزمة الصحية لتجنب كبح الانتعاش، لكننا سنظل في الوقت نفسه جد يقظين إزاء تطور الأسعار”.
وأكد عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب إن الحرب الروسية في أوكرانيا تهدد العالم بأزمة غذائية، كما زادت من تعميق آثار جائحة كورونا التي لم يخرج العالم منها بعد، وأضاف الجواهري، أن التقديرات تشير أن ما بين 75 و96 مليون شخص إضافي يعيشون الفقر المدقع في سنة 2022.
وسجل أن المغرب ليس بعيدا عن هذه التداعيات وتأثر هو الآخر بالوضعية العالمية الصعبة، لكن التعبئة الاستثنائية على مختلف المستويات، مكنت الاقتصاد المغربي من تجاوز الأزمة الصحية وتسجيل نمو بحوالي 8 في المائة خلال سنة 2021، وأكد أن المغرب تأثر مثله مثل جميع الدول بتداعيات الحرب في أوكرانيا، خاصة من حيث الفاتورة الطاقية والارتفاع الكبير للأسعار والتضخم.
وشدد الجواهري في ذات الكلمة على أن البنوك المركزية تعيش معضلة حقيقية، فهي أمام خيار تشديد السياسة النقدية وما ينتج عنها من كبح الاقتصاد، أو تفضيل موقف تسييري مع مخاطر زيادة ارتفاع الأسعار، وأبرز أن بنك المغرب قرر الاستمرار في الإجراءات الاستثنائية التي تم اتخاذها خلال الأزمة الصحية، لتفادي إبطاء التعافي الاقتصادي، لكنه قرر أيضا اعتماد اليقظة فيما يخص توجهات الأسعار.
و ذكر بأن البنك المركزي يراهن على معدل تضخم يتجاوز قليلا نسبة 5 بالمائة هذه السنة، والذي سيعود إلى مستوى معتدل خلال السنة المقبلة، كما تطرق الجواهري إلى التحديات الكبرى التي تعيق انتعاش الاقتصاد العالمي، مشيرا، في هذا الصدد، إلى أن اندلاع الأزمة في أوكرانيا ألقى بظلال قاتمة على آفاق الاقتصاد العالمي. فبعد الانتعاش المسجل سنة 2021، يبقى هذا الانتعاش مهددا بشكل كبير وتسوده حالة من عدم اليقين.
و سجل أن العالم لن يكون بمنأى عن حدوث أزمة غذائية عالمية، علما أن آخر تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن ما بين 75 مليون و95 مليون شخص إضافي يعيشون في فقر مدقع سنة 2022، مقارنة بتوقعات ما قبل الجائحة، وبخصوص التضخم، أشار والي البنك المركزي إلى أنه أمام تسارع التضخم وبلوغه مستويات غير مسبوقة منذ عقود، تواجه البنوك المركزية معضلة : إما تشديد السياسات النقدية وكبح الاقتصاد بشكل أكبر ، أو إعطاء الأولية لتوجه مرن مع ما يكتنف ذلك من خطر تفاقم ارتفاع الأسعار.
وقال إن الحكومات بدورها تواجه، بالإضافة إلى تباطؤ الاقتصاد، الحاجيات الاجتماعية المتزايدة وضغوطات مرتبطة بدعم القدرة الشرائية، علما أن الهوامش التي تتيحها الميزانية تظل ضيقة جراء الأزمة الصحية، مع تسجيل مستويات مديونية مرتفعة جدا وظروف تمويل تزداد صعوبة يوما بعد يوم.
وسجل أن المغرب، بطبيعة الحال، ليس بمنأى عن تأثيرات هذا السياق الدولي الصعب، مضيفا أنه بفضل القيام بتعبئة استثنائية على كل الأصعدة، استطاع الاقتصاد الوطني في جزء كبير تجاوز الأزمة الصحية، وتسجيل انتعاش قارب 8 بالمائة سنة 2021، لكن، وعلى غرار مختلف دول العالم ، يعاني الاقتصاد الوطني من تبعات الحرب في أوكرانيا، مع ما يرافق ذلك، على الخصوص، من تضخم الفاتورة الطاقية وضغوط خارجية كبيرة على الأسعار عند الاستهلاك.
ولمواجهة وضعيات أزمة وظرفيات صعبة ، شدد الجواهري على ضرورة اطلاق عملية تفكير معمقة، لأن ذلك سيمكن من تحديد معالم تغيير حقيقي في البراديغمات التي تفرض نفسها عند إعداد وتنزيل السياسة العمومية، كما أكد على أنه، بالإضافة إلى بعض التقويمات البسيطة للخيارات والسياسات، يجب مساءلة أسسها على غرار ما تم القيام به غداة الأزمة العالمية لسنة 2008.
وفي هذا الإطار، كشف أن بنك المغرب يبذل جهودا دائمة لمحاولة الإجابة على تساؤلات شبيهة بتلك التي تم طرحها خلال هذه الندوة، وأضاف “نحن نسائل بشكل دوري مقارباتنا ونقوم بتكييف آلياتنا وأدواتنا المواكبة، وتحليلاتنا وتوقعاتنا. وفي هذا الصدد، نحن نولي أهمية بالغة لتنمية البحث والانفتاح على الأوساط الأكاديمية الوطنية والدولية، كما أننا جعلنا من ذلك أحد أهم محاور خطتنا الاستراتيجية 2019-2023”.
من جهة أخرى، أوضح والي البنك المركزي أن هذه المبادرة جاءت لتكريس الشراكة التي تم نسجها مع صندوق النقد الدولي في مجموعة من المجالات، والتي تعززت بشكل خاص خلال السنوات الأخيرة ، حيث يشارك في هذا اللقاء، الذي ستتواصل أشغاله غدا الجمعة، مسؤولون من القطاع العمومي يمثلون بنوكا مركزية ووزارات للمالية وكذا مسؤولون رفيعو المستوى من عدة منظمات دولية إلى جانب خبراء أكاديميين. ويأتي هذا اللقاء في إطار التحضير للاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، المزمع عقدها في مراكش في أكتوبر 2023.