انتقلنا من مرحلة الاجتهاد المدرسي إلى مرحلة الإجهاد المدرسي. كانت الأدوات قليلة ونادرة وأحيانا منعدمة لكنها كانت مصحوبة بجدية في التعليم والتعلم، واليوم توفر كل شيء حد التخمة لكن دون أن نقيس مهارات التعلم الآن بنظيرتها أمس، حيث تقهقر الوضع المدرسي إلى درجة لا نحسد عليها بتاتا، ومن يقرر الطريقة التي يدرس بها المغاربة لا يمكن أن تخرجه عن صفة “التاجر”، الذي يبيع الكتب والدفاتر والأدوات المدرسية.
الإجهاد المدرسي يؤثر على الطفل والأسرة والدولة. هذا الثلاثي هو المتضرر من كثرة الدفاتر، التي لا تجد لها معنى خارج المنطق التجاري، لأن في العملية إجهادا للتلميذ، الذي يحتاج مجهودا كبيرا لحمل هذه الأثقال، وأحيانا تخصص العائلة من يحمل عن أبنائها “أثقال” الحكومة، التي لم تفكر في البنية الجسدية لتلميذ في الابتدائي يحمل كراريس كثيرة وكتبا أثقل من وزنه.
والإجهاد المدرسي ناتج عن الحمل الكبير للتلميذ، الذي لا يمكن أن يستوعب كل هذه المقررات، التي تفوق طاقته الاستيعابية، وكيف يمكنه أن يتعامل مع كل هذه الدفاتر، التي لا يمكن أن يتذكرها بكاملها، ولا يعرف هل هي متوفرة لديه أم لا؟
أما الأسرة فهي يمارس عليها الإجهاد المدرسي، مرتين، الأولى عندما تواجه أصحاب المكتبات، فإذا كانت الحكومة دعمت الكتاب المدرسي حتى لا يرتفع سعره، فإنها سكتت عن الدفاتر والأدوات المدرسية، التي ارتفعت ارتفاع “المحروقات” مع بداية الحرب الأوكرانية، والتي استقرت على ذاك الارتفاع، وبعد أن كابدت الأسر طوال الأشهر للتغلب على الزيادات الصاروخية في أسعار المواد الاستهلاكية، وبعد أن قاومت إغراءات الصيف الذي يلتهم جزءًا من الميزانية، جاء الدور على الدخول المدرسي.
تحول الدخول المدرسي إلى كابوس خطير للأسر، مهما كان مستواها لأنه يحتاج إلى تكاليف لم تعد تطاق من طرف المواطن المغربي، الذي لا يكفيه الراتب بتاتا للتغلب على كل هذه الأعباء، أما الدخول المدرسي فيقض مضاجع الناس، وهناك شركات تغريه بالقروض حتى يراكمها على قروض رمضان وعيد الأضحى.
أما الدولة فهي أيضا تعاني من الإجهاد المدرسي. اليوم هناك أزمة كبيرة في الورق عالميا ووطنيا. لقد ارتفعت تكاليف الورق بشكل كبير باعتباره أكبر مستنزف للثروة الغابوية، التي أكلتها الحرائق وتأكلها كل صيف. فما معنى أن نستورد أطنانا من الورق، يتم استعمالها في صناعة الدفاتر، لكن أكثر من ثلثي هذه الدفاتر لا يتم استعمالها من قبل التلاميذ، وبالتالي نكون قد ضيعنا منتوجا كبيرا يمكن استعماله في أمور كثيرة، بل والحفاظ على جزء من العملة الصعبة التي بواسطتها يتم استيراد الورق، لكن لـ”التاجر” حكاية أخرى، خصوصا بعد أن أصبح “تجمع المصالح الكبرى” هو من يدير الحكومة عبر رئاسة أخنوش لها وهو طبعا زعيم هذا التجمع، الذي يواصل إنهاك المجتمع والدولة.