تصاعدت وتيرة التوترات السيبرانية مجددًا بين واشنطن وطهران، بعد إعلان مجموعة قرصنة إلكترونية، يُعتقد أنها على صلة بالحرس الثوري الإيراني، نيتها تسريب المزيد من رسائل البريد الإلكتروني المسروقة من دائرة مقربة من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وقالت المجموعة، التي تُطلق على نفسها اسم “روبرت”، في تواصل مباشر مع وكالة “رويترز” خلال اليومين الماضيين، إنها تمتلك ما يقارب 100 جيغابايت من البيانات، تشمل رسائل من شخصيات بارزة مقربة من ترامب، من بينها سوزي وايلز، مديرة حملته السابقة، والمحامية ليندسي هاليجان، ومستشاره روجر ستون، إلى جانب محتوى مرتبط بـستورمي دانيالز، نجمة الأفلام الإباحية السابقة التي خاضت نزاعًا قانونيًا مع ترامب.
ردود أمريكية غاضبة
وفيما امتنعت المجموعة عن كشف محتوى الرسائل أو تحديد ما إذا كانت تعتزم نشرها أو بيعها، توالت ردود الأفعال الأمريكية الرسمية، حيث وصفت بام بوندي، وزيرة العدل، الاختراق بأنه “هجوم إلكتروني غير معقول”، معتبرة أنه يستهدف المساس بمؤسسات الدولة ومسؤوليها.
وفي بيان رسمي، توعد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كاش باتيل بالتحقيق الكامل في الحادث ومتابعة كل من يُثبت تورطه، مؤكدًا أن “أي تهديد للأمن القومي سيتم التعامل معه بكل حزم”.
من جهتها، قالت وكالة الأمن السيبراني الأمريكية إن الهجوم “ليس مجرد اختراق معلومات، بل حملة تشويه منظمة تستهدف التأثير على الحياة السياسية الأمريكية وتقويض ثقة المواطنين”.
اتهامات رسمية للحرس الثوري
وكانت وزارة العدل الأمريكية قد أصدرت في سبتمبر 2024 لائحة اتهام رسمية تفيد بأن المجموعة تقف وراءها وحدة إلكترونية تابعة للحرس الثوري الإيراني، في محاولة لزعزعة الاستقرار السياسي والإعلامي قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ومع ذلك، أحجم القراصنة في حوارهم مع “رويترز” عن التعليق على هذه الاتهامات، واكتفوا بالقول إنهم “يُفكرون في الخطوة التالية”.
بين التجسس والدعاية
ويرى خبراء أن هذا الهجوم يندرج ضمن “حرب الظل الرقمية” المستمرة بين طهران وواشنطن، والتي تتخذ أشكالًا متعددة، من عمليات تجسس إلكترونية إلى محاولات لتوجيه الرأي العام أو التأثير على الاستحقاقات الانتخابية. ويأتي ذلك في سياق مناخ داخلي أمريكي مشحون، حيث لا تزال ملفات الأمن السيبراني والانتخابات تشكل أرضية خصبة للاستقطاب السياسي.
ورغم نفي إيران المتكرر لأي تورط في مثل هذه الأنشطة، تؤكد تقارير استخباراتية أمريكية وغربية أن طهران طورت، في السنوات الأخيرة، قدرات هجومية في الفضاء الرقمي، وظفتها في عمليات سابقة استهدفت مؤسسات حكومية واقتصادية في الغرب، وأحيانًا لدوافع سياسية تتعلق بخلافاتها الإقليمية والدولية.
انعكاسات محتملة
ويخشى مراقبون أن يؤدي نشر هذه الرسائل، إن حصل، إلى مزيد من التعقيد في المشهد السياسي الأمريكي، خاصة مع اقتراب انتخابات رئاسية حاسمة، يراهن فيها ترامب على استعادة موقعه في البيت الأبيض، في ظل تصاعد الهجمات الشخصية والإعلامية ضده.
وفي انتظار ما ستكشفه الأيام المقبلة، تبقى الحرب السيبرانية إحدى أبرز التحديات التي تواجه الدول الكبرى، في عالم لم تعد فيه الجغرافيا كافية لتحديد حدود المواجهات.