خرجت النقابات تصرخ بأعلى صوتها منبهة من تآكل القدرة الشرائية للمغاربة، وضرب المعيش اليومي و الإرتفاع المهول للأسعار أمام صمت حكومي “مقلق” وغير مفهوم، حيث طالبت نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل الحكومة بإلغاء تحرير أسعار المحروقات والرجوع لتسقيفها وتنظيمها، والزيادة العامة في الأجور للموظفين بالقطاع العام وللمأجورين بالقطاع الخاص، وتقديم الدعم المباشر المعوزين والمحتاجين.
وجاءت مطالب “الكونفدرالية” ضمن سؤال وجهته مجموعتها البرلمانية بمجلس المستشارين، إلى وزيرة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، وأكدت النقابة أنه أمام استمرار ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية الأساسية، لم يعد بمقدور المواطن المحدود الدخل والعاطل عن العمل تحمل تكاليف المعيشة إذ تضررت العديد من الأسر بفعل تدهور القدرة الشرائية، وأشارت أن الاقتصاد في الإنفاق أدى إلى تدمير العديد من المقاولات الإنتاجية بفعل إفلاس أصحابها والنتيجة في النهاية بطء عجلة النمو الاقتصادي، وخطر داهم يهدد السلم الاجتماعي ببلادنا.
وشددت على أن المواطن المغربي لم يعد قادرا على توفير الحد الأدنى من المواد الأساسية لغدائه اليومي، فما بالك بتوفير بعض المواد الأخرى، متساءلة عن مدى نجاعة البرامج المدعمة من طرف الدولة بالقطاع الفلاحي وقد عرفت أثمنة الخضروات ارتفاعا غير مسبوق( البصل 10 دراهم ؛ البطاطس 8 دراهم، و الطماطم فقد وصل ثمنها ل 12 درهم ).
وتساءلت الكونفدرالية كيف ستواجه الحكومة موجة الغلاء هاته؟ وخاصة ونحن مقبلين على شهر رمضان فالمواطن المغربي لا يريد سماع الخطابات الرنانة والوصلات الإشهارية لتسويق لبرامج لا أثر لها على معيشه اليومي، ولم يعد يريد سماع خطاب فحواه أن جميع المنتوجات والمواد متوفرة في الأسواق’’ فالمواطن يريد أن توفر له القدرة الشرائية ليكون بإمكانه اقتناء هذه المواد و بأثمنة مناسبة.
وأبرزت أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة تبقى تقنية تجزيئية افتقدت للنجاعة والفعالية وخاصة من خلال تقديم دعم لمقاولات النقل الطرقي، معتبرة أن هذا الإجراء عجز عن تدليل الصعوبات التي تواجهها المقاولة النقلية، كما أنه لم يكن له أي أثر على جيوب المواطنين.
وطالبت الكونفدرالية بإلغاء تحرير أسعار المحروقات والرجوع لتسقيفها وتنظيمها، والتخفيض من سعر الضريبة المفروضة على المحروقات وحمل الميسورين والمتهربين من الضريبة على أداء ما بذمتهم، والرجوع في أقرب الآجال لتكرير البترول بمصفاة المحمدية للاستفادة من المكاسب المؤكدة لهذه الصناعات في تخفيض الأسعار وفي التصدي للأرباح الفاحشة في المحروقات وفي توفير الشغل للمغاربة والاقتصاد في تبديد العملة الصعبة وغيرها من المكاسب.
وأكدت النقابة على ضرورة الزيادة العامة في الأجور للموظفين بالقطاع العام وللمأجورين بالقطاع الخاص وتقديم الدعم المباشر المعوزين والمحتاجين، مع الضرب على يد المضاربين والمحتكرين والسماسرة والوسطاء الذين يشعلون الأسعار بدون وجه حق.
و سجلت نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب تفاقم الأزمة الاجتماعية جراء تغول الأسعار وانعكاساتها السلبية على القدرة الشرائية للمغاربة، مما استحال معه تأمين العيش الكريم.
وأكدت نقابة حزب العدالة والتنمية أن الواقع الاجتماعي متسم بانهيار القدرة الشرائية جراء غلاء الأسعار بشكل غير مبرر، خصوصا بالنسبة للوقود والمواد التي تشكل المعيش اليومي للمغاربة، داعية الحكومة إلى استعجالية التدخل لإيقاف نزيف القدرة الشرائية وإعادة التوازن للأسعار في إطار تحملها لمسؤوليتها الاجتماعية، والوفاء بما صرحت به من تنزيل لمقتضيات الدولة الاجتماعية.
ونبهت النقابة في بلاغ لها إلى عدم تجاوب الحكومة مع كل المبادرات النضالية التي تم سلكها من أجل دفعها إلى الخروج من حالة اللامبالاة وسياسة الهروب التي تواجه بها تنامي الاحتقان الاجتماعي.
وحثت المركزية النقابية الحكومة على مراجعة سياساتها وتصحيح اختياراتها الاجتماعية، والوفاء بتعهداتها ووعودها الانتخابية في هذا الإطار، والتعجيل بتحسين القدرة الشرائية للأجراء والمتقاعدين وعموم المغاربة، بما يؤمن متطلبات عيشهم الكريم ويوقف نزيف القدرة الشرائية وتغول أسعار المواد الغذائية والمحروقات، عوض در الرماد في العيون بزيادة دريهمات لا أثر لها، كما طالبت الحكومة بالوضوح والشفافية فيما يتعلق برؤيتها لما يسمى إصلاح صناديق التقاعد، مؤكدة رفضها لأي صفقة في هذا الموضوع، مع إلزامية فتح نقاش عمومي شفاف مع مختلف الفرقاء الاجتماعيين لتحصين حقوق ومكتسبات المنخرطين والمتقاعدين.
وإلى جانب ذلك، عبرت النقابة عن قلقها إزاء الاحتقان المتنامي بقطاع التربية الوطنية، داعية الوزارة إلى ترجيح خيار الحوار والإنصات، مع الدعوة إلى ضرورة نشر المعطيات المرتبطة بما شهدته مباراة المحاماة من اختلالات، تحصينا لنبل وشرف هذه المهنة، وصيانة لمبدأ تكافؤ الفرص.
و أكدت الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، أن استيراد الأبقار الجاهزة للذبح، قد يحد من غلاء اللحوم مرحليا، لكنه لن يوقف تفاقم الخصاص الكبير في هذه المادة، ناهيك عن آثاره المدمرة على تنافسية المنتوج المحلي وما سينجم عنه من انهيار لسلسلة إنتاج اللحوم الحمراء والحليب.
وأوضحت الجامعة في بيان لها، أن الاستيراد ستكون له انعكاسات سلبية على صغار الكسابة من تقليص لفرص الشغل التي يوفرها هذا القطاع الحيوي، الذي التهم ميزانيات عمومية ضخمة طيلة العقدين المنصرمين في إطار شراكة وبرامج لتأهيل وتحسين المراعي استفاد من ريعها بشكل خاص، كبار الملاكين ومقاولي التجهيز الفلاحي والوسطاء المضاربين.
وشددت على أن الارتفاع المهول لأسعار اللحوم والحليب ليس أمرا معزولا ولا طارئا، بل هو مظهر من مظاهر أزمة اختيارات فلاحية راهنت بشكل غير عقلاني على السوق الخارجية.
وأبرزت أن الأزمة أصابت سلاسل إنتاج فلاحية أخرى، وأدت لارتفاع أسعار جميع المنتجات الفلاحية، دون أن يكون لذلك أثر إيجابي على دخل الفلاحين الكادحين؛ كما أن غلاء اللحوم كان متوقعا بسبب ما تعرض له القطيع الوطني من تصفية حيث فقد ثلثي 2/3 تعداده خلال الخمس سنوات الأخيرة، في غياب تدخل فعال من وزارة الفلاحة، وأمام ضعف “حملات الدعم” الهزيلة التي تم توجيهها للفلاحين الكادحين، والتي لم تخل هي الأخرى من التلاعبات.
وطالبت النقابة بوضع إجراءات موازية مستعجلة لتخفيف الآثار السلبية المحتملة على صغار الفلاحين والكسابة، وعلى ما تبقى من القطيع الوطني، جراء رفع القيود الجمركية على استيراد الأبقار الجاهزة للذبح؛ مجددة دعوتها لفتح حوار مركزي وحوارات محلية مع ممثليهاللإصغاء لشكايات الفلاحين وتحقيق مطالبهم.
ونبهت إلى وجوب حماية الفلاحين الصغار كذلك، من الآثار الخطيرة لإجراء رفع القيود الجمركية، التي ستؤدي إلى إغراق الأسواق المحلية باللحوم المستوردة المنخفضة الثمن، ومنافستها بشكل غير متكافئ للحوم المنتجة محليا من طرف صغار الفلاحين، متحملين الغلاء المهول للأعلاف والمواد والخدمات البيطرية، ما ستنتج عنه خسائر فادحة، ستفاقم الأوضاع المزرية التي يعانيها الفلاحون الكادحون.
وحذرت النقابة من خطورة الإجراءات التي جاء بها المرسوم المذكور، ما لم تصاحبها تدابير عملية موازية، تحمي دخل الفلاحين/الكسابة الصغار، من الإفلاس، وتحافظ على ما تبقى من القطيع الوطني الذي تعرض “للإبادة” طيلة السنوات الخمس الأخيرة على مرأى ومسمع الجميع.
وطالبت أيضا بدعم دائم، كاف ومباشر لصغار الفلاحين والكسابة والتعجيل بدعم الأعلاف واستخلاف القطيع لضمان استمرارهم في تزويد السوق الوطنية بالمنتوجات الزراعية واللحوم، وتقوية قدراتهم على مواصلة هذا الدور، حماية للسيادة الغذائية لبلادنا أمام تقلبات العرض على المستوى العالمي، وتحول الغداء الى سلاح توظفه القوى الكبرى لابتزاز الشعوب.
ودعت وزير الفلاحة إلى فتح حوار منتظم مع النقابة الوطنية للفلاحين، على أرضية مطالبها المعروضة عليه منذ سنوات، وحث المديريات والمؤسسات العمومية التابعة للوزارة لفتح حوارات مركزية ومحلية مع النقابة، من أجل الإصغاء لشكايات الفلاحين الصغار، وتلقي مقترحاتهم لتدارك اختلالات البرامج الفلاحية المعتمدة حاليا، واستباق أي تداعيات سلبية قد تنجم عن اتخاد قرارات أو تسطير برامج جديدة تمسهم؛ وذلك طبقا لمنطوق إعلان الأمم المتحدة حول حقوق الفلاحين وباقي العاملين في العالم القروي الذي صادقت عليه بلادنا منذ سنة 2018.