تعتمد اسبانيا على ديبلوماسية الانتقام و إخفاء الاخطاء، والازدواجية في معايير التعامل مع المغرب واقحام الاتحاد الاوربي في معادلة الصراع مع المغرب. والاعتداء ليس وليد اليوم وانما يعود ل 500 سنة قبل. وما قامت به هو محاولة دفع الاتحاد الاوروبي لتبني الإدانة وفرض الامر الواقع على المغرب، وذلك تماشيا ما خططت له القشتالية ايزابيلا الاولى 1504.
وفي المقابل كان المغرب يعتمد على ديبلوماسية الضرورات التي تقبل بالمحذورات سابقا، لكن اليوم نهج ديبلوماسية الندية وتقابل الارصدة والادوار في العلاقات الدولية .
وتورط اسبانيا في فضيحة الانفصالي ابن بطوش هو الموضوع الذي كان يجب ان يناقشه البرلمان الاوربي ويصدر ادانة في حق اسبانيا التي اقترفت فعلا غير قانوني، وليس تقصير المغرب في حماية حدود اوربا من المهاجرين ، ذلك ان المغرب لا يمكنه ان يشتغل حارسا للحدود الاوربية دون اتفاق متوازن، وموافاة المغرب بحقوقه الضرورية في الموضوع .
ومن جهة اخرى فان افعال اسبانيا زادت عن حدها منذ قيام المغرب برسم الحدود البحرية، اضافة الى قرار الاعتراف الامريكي بمغربية الصحراء وسيادته الترابية كاملة، مما ازعجت اسبانيا التي تريد ان يبقى المغرب مشتتا ومشلول القدرات.
كما ان الاسد الافريقي واجراء مناورات في منطقة المحبس بالصحراء المغربية هو تأكيد للقرار الامريكي واستمراره على عهد الرئيس الامريكي الحالي جو بايدن. وتمثل عملية اقصاء اسبانيا من تدريبات الاسد الافريقي اقوى ضربة لاعداء الوحدة الترابية، وهي رسالة دولية واضحة تشارك فيها قوة عسكرية دولية كبرى، وحضور ثلاثون دولة بصفة مراقب، مما يعطي فهما قويا لمغربية الصحراء، واجراء تداريب فوق ارض المغرب هو قطع الشك بالواقع الملموس، وأن الولايات المتحدة الامريكية لم تدخل ارضا غير ارض المغرب لقيادة الاسد الافريقي.
هذا التحول في السياسة الخارجية للمملكة المغربية ومراجعة السياسات المتبعة مع اسبانيا مرده الى استهداف اسبانيا لمصالح المغرب ، الشيء الذي لا تستقيم معه اتفاقيات التعاون وانفراد اسبانيا بامتيازات كبيرة تدخل حسب فهم السلطات الاسبانية ضمن قائمة الحقوق الاساسية لاسبانيا.
و تغييب الامم المتحدة عن كثير من القضايا، او التصرف باسمها أو بدون العودة اليها هو امر مرفوض،
مما سيتم معه انقسام اوربا بين دول التتطاول ودول الاعتدال ، وان اسبانيا ستكون اكثر دول اوربا عرضة للوم خصوصا من طرف المجتمع المدني وثقافة الشعوب .
كما ان مستوى العلاقات المغربية الاسبانية لن يعود كما كان من قبل مهما قدمت اسبانيا من اعتذار وتنازلات لكون المساس بقضية المغاربة الاولى يصعب معه تجاوز نسيان البصمة الوراثية كأثر للجريمة التي جمعت من خلالها اسبانيا بين السياسة والتاريخ و الانفصال والاعتداء على حقوق المغرب دون الاحتكام الى المنطق او العقل .
ان القدرة الاستراتيجية الاسبانية تراجعت مع تراكماتها السلبية والمرتبطة باستهداف المغرب كدولة جارة، بالعمل المستمر من أجل شل قدرته، وبكل الوسائل الممكنة ومنها التهريب ونشر الفكر الانفصالي وتجنيد المواطنين لحمل السلاح ضد وطنهم ، وحشد التأييد للنيل من وحدة المغرب والدفع نحو امكانية اشعال الحرب بين المغرب والجزائر، وتسويق صورة سيئة عن البلا، مقابل نهب ثرواتها واستغلالها طبقا لمنطق القوة والاعتراض على اية نهضة تنموية تسمح باستقلال البلاد عن التبعية المكرهة.
ان مستقبل العلاقات الثنائية المغربية الاسبانية لن يعود الى سابق عهده، ولن كون كما تراها الجارة الشمالية ، وان كانت التكلفة متفاوتة بين الدولتين ، ذلك ان العلاقات الاستراتيجية المغربية الامريكية غيرت من مكانة المغرب الدولية، حيث بدخوله النادي الامريكي يكون قد غير من حلفائه واصبح قوة اقليمية بمعايير الاندماج في التوجهات الأمنية الاطلسية ، وايضا غرب المتوسط نظرا لموقعه الاستراتيجي وأهميته بالنسبة للأمن العالمي .
هذا واصبح للمغرب بعد التورط الاسباني الجزائري في فضيحة ابراهيم غالي التي كشفت عن التلاعبات في المعطيات وتزوير الحقائق الدولية و ضرب ثقة المجتمع الدولي، وعدم الاكتراث بعواقب مخالفة قواعد النظام الدولي ، وحماية نسق البيئة الدولية من خطر التصدع خصوصا وان اوربا عرفت حربين عالميتين و كانت عبر التاريخ اكثر دموية، وان آخر مصاصي الدماء الاسبان توفي 1983، لكن عملية الامتصاص المادي والمعنوي مازالت مستمرة، الشيء الذي يتطلب التوقف عند حدود القانون للفصل بين عهد مص الدماء و نهب الثروات وعهد احترام حقوق الدول كما سطرتها ثورات الدول الاوربية.
أحمد الدرداري