حلّ رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق السعيد شنقريحة، بالهند في زيارة غير مسبوقة من حيث مدتها، حيث تُعد الأطول له إلى بلد أجنبي في السنوات الأخيرة. وتأتي هذه الزيارة في إطار مساعي الجزائر لتنويع شركائها العسكريين وتقليص اعتمادها على روسيا في مجال التسلح، خاصة بعد تعيين ماركو روبيو وزيرًا للخارجية الأمريكية، المعروف بمواقفه المتشددة تجاه التعاون العسكري بين الجزائر وموسكو.
ووفق ما أوردته الصحافة الهندية والجزائرية، فقد التقى شنقريحة بوزير الدفاع الهندي راجنات سينغ، واطلع على أنشطة كبرى الشركات المتخصصة في صناعة السلاح، كما شارك في افتتاح معرض “Aero India”، حيث تابع العروض العسكرية الجوية واطلع على أحدث تقنيات الطيران الحربي.
مباحثات عسكرية وتعاون متزايد
وخلال الزيارة، ناقش شنقريحة مع نظيره الهندي إمكانية توقيع اتفاقيات تعاون عسكري جديدة، وهو الأمر ذاته الذي بحثه مع قائد أركان القوات البرية الهندية، الفريق أوباندرا ديفيدي. ووفق المصادر ذاتها، فقد شدد الطرفان على ضرورة تعميق العلاقات الدفاعية بين الجزائر والهند، ما يعكس توجهاً استراتيجياً نحو تنويع مصادر السلاح وتقليل الاعتماد على الشريك الروسي التقليدي.
كما زار شنقريحة أجنحة الشركات العالمية المتخصصة في الصناعات الدفاعية، حيث قُدمت له شروحات تفصيلية حول أحدث الابتكارات في مجال الطيران الحربي والدفاع الجوي، ما يشير إلى اهتمام الجزائر بتحديث ترسانتها العسكرية من مصادر جديدة.
تقارب جزائري – هندي خشية العقوبات الأمريكية
تأتي هذه التحركات الجزائرية في سياق دولي متغير، خاصة مع تصاعد الضغوط الأمريكية على الدول التي تربطها علاقات دفاعية وثيقة مع روسيا. ويثير تعيين ماركو روبيو وزيراً للخارجية الأمريكية قلق الجزائر، بالنظر إلى مواقفه السابقة من صفقات التسلح الجزائرية – الروسية.
وكان روبيو قد وجّه في سبتمبر 2022 رسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن، طالب فيها بفرض عقوبات على الجزائر بموجب قانون “مواجهة أعداء أمريكا من خلال العقوبات” (CAATSA)، وذلك بسبب حجم صفقاتها العسكرية الكبيرة مع موسكو، والتي بلغت 7 مليارات دولار في عام 2021.
ويرى مراقبون أن الجزائر تحاول تجنب أي صدام مع الإدارة الأمريكية الجديدة، خصوصًا بعدما ألغت صفقة أسلحة روسية بقيمة 17 مليار دولار تحت ضغط واشنطن، ما يجعل البحث عن شركاء جدد ضرورة استراتيجية.
شرخ في العلاقات الجزائرية – الروسية؟
في سياق متصل، يرى الخبير السياسي بلال التليدي أن هناك مؤشرات على توتر في العلاقات الجزائرية – الروسية خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد أن قامت الجزائر بتوقيع اتفاقيات استثنائية مع كل من إيطاليا وفرنسا لرفع صادراتها من الغاز إلى أوروبا، وهو ما أضر بالمصالح الروسية في سوق الطاقة.
كما أن الجزائر لم تدعم المساعي الروسية للتمدد في منطقة الساحل الإفريقي، حيث تتباين رؤية البلدين في هذا الملف. هذه العوامل، إلى جانب الضغوط الغربية، تدفع الجزائر نحو تنويع خياراتها الدفاعية والبحث عن شركاء جدد، مثل الهند، لضمان استقلالية أكبر في قراراتها العسكرية.
نحو مرحلة جديدة في التعاون الدفاعي الجزائري – الهندي
تشير التطورات الأخيرة إلى أن الجزائر باتت تتبنى مقاربة جديدة في علاقاتها العسكرية، قائمة على التوازن بين القوى الدولية الكبرى، في محاولة للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية بعيدًا عن الضغوط السياسية.
ويبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن الجزائر من تحقيق هذا التوازن دون إثارة غضب موسكو، أم أن توجهها الجديد سيؤدي إلى مزيد من التباعد بينها وبين حليفها التقليدي في مجال التسلح؟