لا يعنينا موقف الحكومة من تصريحات صلاح الدين مزوار، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب المستقيل، وهي أدرى بخلفيات البيان الصادر عن وزارة الخارجية، لكن نود الحديث عن المعني بالأمر، أي من تورط في تصريح غير مسموح به لشخص مثله. فمزوار كان رئيسا للاتحاد العام لمقاولات المغرب، ولو كانت هذه الصفة وحدها من تطوق عنقه لهان الأمر ولكن الرجل حاز صفات عديدة مما يحعل منه رجل دولة. ورجل الدولة محكوم بواجب التحفظ.
لم يأت صلاح الدين مزوار لرئاسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب من باب المال والأعمال، إذ ليس رجل تجارة وصناعة ولكن جاء إليها من السياسة ومن صفاته السابقة. مزوار كان وزير للاقتصاد والمالية ويعرف جيدا تأثير التصريحات الجزافية على العلاقات التجارية، وهي علاقات متعددة لا تخضع أحيانا لتقلبات السياسة.
كما كان صلاح الدين مزوار رئيسا لحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي ما إن يخرج من حكومة إلا ليدخل إلى أخرى، ولم يغادرها إلا لفترة قصيرة خلال حكومة عبد الإله بنكيران الأولى قبل أن يخرج منها حزب الاستقلال عقب انتخاب حميد شباط، أمينا عام لحزب علال الفاسي، واتخاذ قرار المغادرة ليعوضهم التجمع. وهذا الموقع وحده كاف ليكون الرجل على دراية كبيرة بخلفيات الحديث ومجريات الصراع ويكون على دراية بأن المغرب ينأى بنفسه عن كل الصراعات الداخلية للدول.
مزوار نسي أنه كان وزيرا للخارجية، جاء على أنقاض فترة عرفت الخارجية فلتات غير مرغوب فيها لما تولاها الإسلاميون، وبالتالي اطلع على كواليسها ودهاليزها، وعرف أنها مبنية على التكتم والكلام فيها قليل، ولا ينطق الديبلوماسيون إلا عند الضرورة، فالديبلوماسية تتميز بمنطق إطفاء الحرائق لا إشعال النيران، والمغرب ليس في حاجة للتدخل في شؤون الآخرين.
مزوار بهذه المواصفات هو رجل دولة، وبالتالي لم يكن مسموحا له بمثل هذا الحديث، ولا قيمة للقبعات الأخرى التي يحمل. فالوزير الخارجية هو ديبلوماسي، وهذه الصفة ترافقه طوال حياته، وبالتالي فإن تصريحاته، التي وصفتها الحكومة بالرعناء والمتهورة، يمكن أن تضر بسمعة المغرب، لا من موقع رئاسته للاتحاد العام ولكن من موقع الصفات التي يحمل ومن موقع صفة رجل الدولة التي اكتسبها خلال ممارسته للوزارة ورئاسته للحزب، حتى لو جاء إليهما طارئا وفي ظروف خاصة.
إذن ليس مسموحا لمزوار بهذا المنطوق المتهور ولم يعد مسموحا له بطلاق تاريخه، فليس من حقه التخلص منه، وهذه ضريبة تولي الشأن العام، فالزعامة ليست من غير ثمن، وثمنها “السكوت من ذهب”، وكثرة الكلام مدعاة للسقوط، وكان مفروضا في مزوار أن يتحدث عن التكامل الاقتصادي بين دول المغرب العربي ويطلب من السياسيين تهييء الظروف لذلك ولا شأن له بالباقي، لكن بما أنه لم يستفد من وجوده في مواقع متعددة فإنه يعتقد أن إطلاق الكلام على عواهنه سيحييه من موته السياسي فحفر له القبر.