في ختام محاكمة غير مسبوقة في تونس، حكمت المحكمة الابتدائية بالسجن النافذ ما بين 13 و66 عاما على حوالى 40 مت هما، بينهم وجوه من المعارضة، لإدانتهم بـ”التآمر على أمن الدولة”، وفق ما أفادت عدة وسائل إعلام السبت.
وأدين المتهمون بدرجات متفاوتة بتهم أبرزها “التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي” و”تكوين وفاق إرهابي له علاقة بالجرائم الإرهابية والانضمام إليه”، وفق ما قال المساعد الأول لوكيل الدولة في القطب القضائي لمكافحة الإرهاب لوسائل إعلام من دون تقديم مزيد من التفاصيل.
ومن بين المحكوم عليهم شخصيات بارزة من المعارضة ومحامون ورجال أعمال منهم من يقبع خلف القضبان منذ سنتين، في حين بقي آخرون في حال سراح واختار البعض المنفى.
وحكم بالسجن 18 عاما على كل من زعيم الحزب الجمهوري (الاشتراكي الديموقراطي) عصام الشابي وأحد مؤسسي جبهة الخلاص الوطني، وهي أكبر ائتلاف معارض في البلد، جوهر بن مبارك، والوزير السابق غازي الشواشي من التيار الديموقراطي (الوسطي) والمحامي رضا بالحاج والناشطة الحقوقية شيماء عيسى، على ما كشف المحامي عبد الستار المسعودي.
أما الزعيم السابق لحزب التكتل (الاشتراكي الديموقراطي) خيام التركي، فقد حكم عليه بالسجن 48 عاما، في حين صدر أقسى حكم بالسجن 66 عاما في حق رجل الأعمال الواسع النفوذ كمال اللطيف، بحسب المسعودي الذي تولى الدفاع عن متهمين اثنين.
ويوم الجمعة، انعقدت الجلسة الثالثة والأخيرة من هذه المحاكمة التي لم يشهد البلد مثلها من حيث عدد المتهمين والتهم الرئيسية الموجهة إليهم، وسط حضور أمني كثيف وفي غياب الصحافة الدولية التي منع مراسلوها، وكذلك الدبلوماسيون الأجانب، من دخول قاعة المحكمة، رغم السماح لهم بحضور الجلستين السابقتين.
واعتبر القضاء أن بعض المت همين أقاموا اتصالات مشبوهة بدول أجنبية، خاصة عبر دبلوماسيين.
واعترض المحامون أمام القاضي بعد تلاوته لائحة الاتهام وطرحها للمداولة، من دون أي مرافعات من جانب الدفاع.
وقالت المحامية سامية عبو إن “السلطة تريد صدور الحكم اليوم” في حين أن هناك “انتهاكا صارخا للإجراءات القانونية” إذ “لم يتم الاستماع إلى المت همين”، واصفة الأمر بـ”المهزلة”.
وقال المحامي سمير ديلو “وصلنا إلى حد الجنون القضائي”.
ورأت المحامية هيفاء الشابي، ابنة السياسي أحمد نجيب الشابي، أحد المتهمين الذين بقوا في حالة سراح خلال المحاكمة، أن “الحكم حضر مسبقا وهو غير مفاجئ”.
وقالت “أنا حزينة على وضع القضاء في تونس وحالة الحريات”، من دون تقديم معلومات عن الحكم الذي صدر في حق والدها.
وعلق الناشط كمال الجندوبي الذي أدين غيابيا في هذه القضية بعدما فر إلى الخارج أن هذا “ليس حكما قضائيا، بل هو اغتيال قضائي. ليست هذه عدالة، بل أوامر سياسية نفذها قضاة خاضعون، ووكلاء جمهورية متواطئون، ووزيرة عدل تحو لت إلى ذراع تنفيذية لطاغية مهووس بالسلطة”.
وشدد على أن “هذه المحاكمة إهانة للعقل، صفعة في وجه القانون. ولتكملة هذه المهزلة الدموية: جلسة عن بعد، مغلقة رقميا. محاكمة جرت من خلف الشاشات، بدون حضور المتهمين، بل وحتى أحيانا بدون علمهم أو إخطارهم القانوني”.
ومنذ تفرد الرئيس قيس سعي د بالسلطة في صيف 2021، يند د المدافعون عن حقوق الإنسان والمعارضون بتراجع الحريات في تونس، البلد الذي انطلق منه ما يعرف بـ”الربيع العربي” عام 2011.
ورأى المحلل حاتم النفطي أن “حكم التبرئة كان ليتعارض مع سردية المؤامرات التي يستند إليها النظام منذ 2021″، موضحا عبر إكس إلى أن هذه الرواية “تبقى مقبولة من جزء كبير من الشعب” بعد السيطرة على حد قوله على أغلبية وسائل الإعلام وزج صحافيين كثيرين في السجن.
واعتبارا من ربيع العام 2023، أوقف عشرات المسؤولين السياسيين والمحامين والصحافيين والناشطين الحقوقيين، لا سيما منهم المدافعين عن المهاجرين، بموجب مرسوم بشأن نشر أخبار زائفة فضفاض المصطلحات يتسع لتأويلات كثيرة.