بقدر ما تنعزل بعض المناطق في المغرب نتيجة التساقطات الثلجية المهمة التي عرفتها بعض ربوع بلادنا، بالقدر الذي تعيش الحكومة عزلة قاتلة، حتى لو ظن رئيسها ووزراؤها أنهم موجودون من خلال خطاباتهم في البرلمان والإجابة عن الأسئلة وحضور الأنشطة هنا وهناك، فإن مغربا آخر يعيش تحت سقف هذا الوطن لا تعرفه هذه الحكومة ولا تصل إله.
والسؤال الذي لا يتطلب كثيرا من الحذاقة: ماذا قدمت الحكومة للمناطق المعزولة نتيجة التشاقطات الثلجية الأخيرة؟ هل تحركت نحو هذه المناطق لفك العزلة ليس فقط تأمين الطرق ولكن تأمين الحاجيات المنعدمة؟ كيف تعاملت مع الخصاص المهول في أدوات التدفئة ومنه الحطب؟ هل فكرت أن هناك مواطنين يبيتون طاوين جوعا مع رعب حقيقي ينتج عن انخفاض مهول في درجات الحرارة؟
وذكّرتنا التساقطات المطرية والثلجية بأن هناك مجموعة بشرية تعيش وسط الخيام منذ حوالي سنة وخمسة أشهر، أي منذ زلزال الحوز، أو زلزال الأطلس الكبير العنيف والمدمر، حيث تم تشريد مئات الأسر، التي فقدت سكناها، وكان من المفروض أن تكون الحكومة قد عالجت هذا المشكل لكن مع الأسف الشديد لم يتم الالتزام بالواجبات تجاه هؤلاء المواطنين.
وقد فاقم من الأزمة موجة البرد والثلوج الأخيرة، التي أظهرت أن الحكومة استسلمت لمكاتبها الوتيرة في الرباط، وأن التدفئة في مكاتب الوزراء ومنازلهم أنستهم الحال التي يعيش عليها مئات الأسر، التي وجدت نفسها بين مخالب الطبيعة وأنياب المسؤولين ونهم المضاربين وتجار الكوارث.
كل سنة تتكرر المأساة ويعيش الناس جحيم الزمهرير القاتل وفي عزلة تامة بينما الحكومة تمارسة عزلتها في الرباط وفي المكاتب الفاخرة، ولم نسمع لها حسيسا ولا تحركا، فحتى تحريك الآليات لإزالة الثلوج في الغالب يكون عن طريق الجماعات الترابية أو بعض المندوبيات لوزارة التجهيز التي تتحرك من تلقاء نفسها، بينما الحكومة ليس على جدول أعمالها أي شيء اسمه “المناطق المحاصرة بالثلوج”.
لم تسمع الحكومة عن شيء اسمه مناطق معزولة، وأنى لها ذلك وهي المعزولة في مكاتب فاخرة ودافئة في الرباط؟ ولم تحرك الحكومة المؤسسات المكلفة برعاية المواطنين في وضعية صعبة. كما أنها لم تحرك صندوق الكوارث، الذي لا يعلم عنه أحد شيئا سوى أثناء مناقشة الميزانية السنوية للحكومة.
تعليمات جلالة الملك محمد السادس بهذا الشأن واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، ولا تحتاج إلى تجديد وتأكيد، حيث جلالته في طليعة الداعين إلى العناية بالمواطنين في المناطق النائية والمعزولة، ولا نعرف ماذا تنتظر الحكومة لتقوم بواجباتها تجاه المواطنين، الذين يعانون في صمت رهيب حيث كل السبل اليوم مقطوعة وتحتاج إلى تضافر الجهود من أجل التعامل مع هذا الوضع ومحاسبة من تسبب فيه في حالة وجود تقصير بشري.