طارق ضرار
المغرب هذه الأيام يعيش موجة حرارة… ولكنها ليست موجة واحدة، بل ثلاث موجات متزامنة، كلها فوق الأربعين: حرارة الجو، حرارة الأسعار، وحرارة قرارات الحكومة!
نبدأ بحرارة الأسعار. كنتُ في السوق أبحث عن الخضر، فوجدتُ أن الطماطم تحوّلت من فاكهة محبوبة إلى سلعة فاخرة. الكيلو منها يحتاج قرض بنكي وموافقة اللجنة الوطنية للمالية. البطاطس؟ صارت “بطاطاس”، تلبس نظارات شمسية وتمشي بزهو على رفوف الأسواق، ولا ترد على الفقراء.
أما الحكومة، فهي تتعامل مع هذه الحرارة كلها ببرود قطبي. يخرج وزير الاقتصاد علينا ليقول: “الوضع متحكم فيه”، ثم يعود إلى سيارته المكيفة التي لا تعرف معنى “العيش اليومي”. قرارات الحكومة تُطبخ في فرنٍ سياسي من المستوى الرابع، لا يهتم إن كان المواطن يحترق أو يطبخ معه.
لكن الأسوأ من حرارة الأسعار، هو التفكير السّاخن. المواطن المغربي اليوم يفكر تحت درجة حرارة دماغية تصل إلى الغليان. أفكارنا لم تعد تطهى على نار هادئة، بل تحترق قبل أن تولد. تريد أن تخطط لشيء؟ تفكر تخرج، تبدل، تحسن الوضع؟ الدماغ يجيبك: “آش درت لراسي، غير جلس وسكت”.
حرارة التفكير تجعل الإنسان يقرّر قرارات مستعجلة: “غادي نحرق”، “نهاجر”، “نربي دجاج فالبالكون”، “نبدل حياتي”… لكن في النهاية، ما كتبدل غير القميجة المبلولة بالعرق.
في عز هذا الحر، المواطن المغربي صار يشك أن الشمس أضربت عن العمل، وتركت مهمة “الشيّ” للحياة اليومية. الموظف يشوى في الطوبيس، التاجر يُقلّى في الكريدي، والعامل يُحمّص في الحد الأدنى للأجور. حتى الشاي، الذي كنا نلجأ إليه للترويح، صار يشربنا نحن، لأن الماء الساخن أوفر من الغاز!
أما الحكومة؟ فهي تفتح مروحة التصريحات، تتهوى بها أمام عدسات الكاميرا، وتقول: “نحن واعون بمعاناة المواطن”. يا سلام! وعيكم بحرارتنا يذكرني بمن يشاهد شخصاً يحترق ثم يقول له: “أشعر بما تمر به”.
ورغم كل هذا، ما زال المغربي يبتسم، يضحك، ويقول: “آش غادي ندير؟ الله يدير تاويل الخير”. لأنه في النهاية، نعرف أن حرارة الصيف تمر، لكن حرارة المعيشة؟ تلك تحتاج معجزة أو استقالة جماعية من المنطق.