محمد عفري
في غفلة منا، ونحن مُنهمكون في النقاش العقيم حول جواز كوفيد، يتقاذفنا الاختلاف في قراره، بين “سادية” أحقيته فينا وانعدامه لـ”الشرعية”، كان عدد كبير من الوزراء والبرلمانيين ورؤساء الجهات على عهد حكومة العثماني، قد قصدوا مقر رئاسة الحكومة، خفية (وما أقل التخفي) وعلانية، مهرولين تارة ومُهطعين تارة أخرى، والعهدة على المصدر الذي رصد ورأى ثم روى.
بينما اختلفت طريقة قصدهم مقر رئاسة الحكومة، كان الهدف واحدا، هو وضع الملفات الشخصية من أجل الاستفادة من التقاعد الوزاري والبرلماني الذي تبلغ قيمته تسعة وثلاثين ألف درهم. الأكثر من ذلك، أن الغالبية ممن شوهدوا يقصدون مقر رئاسة الحكومة لوضع ملفات هذا التقاعد، كانوا من وزراء وبرلمانيي حزب العدالة والتنمية، لتكتمل الصورة، التي كان قد رسمها لنا واحدٌ من أشاوس هذا الحزب، الذي ظل قادته ومريدوه، يرفضون رفضا باتا نعتهم بـ”تجار الدين”، في إشارة إلى انتهازهم أو استغلالهم للإسلام، كمرجعية لهم ولحزبهم، في ممارسة السياسة والإبحار على متنها إلى عالم المناصب العليا والمسؤوليات الجسام مقابل التعويض الباهظ الذي تخرج أمواله من ظهور المواطنين، ويكلف خزينةَ الدولة ما يستطيع به المغربُ النماءَ الحقيقي في ظروف وجيزة.
يتذكر كافة المغاربة، والفايسبوكيون بالخصوص الهجمة الكلامية الشرسة التي شنها هذا الأشوَس من قبة البرلمان، قبل عام من الآن، أي في أكتوبر 2020، خلال مناقشة معاشات أعضاء البرلمان، حيث جعلته هذه الهجمة أشهر من نار على علم، وهو يدافع عن أحقيته وباقي البرلمانيين، في تعدد الرواتب الشهرية والتعويضات المالية المختلفة، التي يجمعها بتعدد المهام، أي بمهمته كنائب برلماني وعمدة لمدينة فاس، أو يجمعها مثله في التعدد، من هم وزراء وبرلمانيون في وقت واحد.
لن ينسى المغاربة، طريقة دفاع هذا الدكتور الكيميائي و”الاقتصادي” الكبير الذي شغل في حكومة “أخيه” بنكيران مهمة وزير منتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية، مكلف بالميزانية، دفاعا مستميتا عن رواتبه المتعددة، بإصرار وإلحاح وثقة في النفس منقطعة النظير، وهو يقول للمغاربة قاطبة “هل تريدون أن نخدم مصالحكم “بيليكي”، أي بالمجان.
من لا ينسى هذا “الموقف” الموسوم بأنانية جامحة لهذا الرجل، وهو يدافع عن تعدد رواتب البرلمانيين والوزراء وارتفاع قيمتها، وعن استمرار استفادتهم من المعاشات، بعد نهاية “المهام”، نكاية في أبناء الشعب المقهورين بارتفاع معدل البطالة إلى أرقام قياسية في عهد تكليفه بالميزانية، مقابل انخفاض معدل فرص الشغل وهروب المستثمرين جراء الخطاب الإسلامي الفج، وارتفاع الأسعار وغيرها من مثبطات الاقتصاد الوطني، ومسببات قهر المواطنين، لابد أن يفهم في سرعة البرق؛ الحالة الهستيرية التي يكون عليها المنتخبون، أي المرشحون المهرولون، عبر الانتخابات إلى كراسي المسؤولية بالبرلمان، ومنها غالبا إلى الاستوزار. يفهم أيضا الأموال الدافقة التي يُغدقون بها، على الناخبين، والموائد الدسمة التي “يتبرّعون” بها عليهم خلال الحملات الانتخابية والقفف السخية التي يزودونهم بها خلال المناسبات، من أجل “النجاح” في الوصول إلى هذه المناصب.
من عاش في الريع، استطابه و”حلّله” شرعا ودافع عنه حد السيف، وتناسى أنه سُحتٌ، ومن يأكل السحت لا يستحيي من أكل أموال الشعب بالباطل، ولنا في هرولة بعض الوزراء والبرلمانيين من العدالة والتنمية إلى مقر رئاسة الحكومة لوضع ملفات التقاعد، درسٌ جديد في هذا الريع/ السُّحت، لا يتوقف عند المعاش الوزاري، وإنما يتجاوزه إلى رفض عودة غالبية هؤلاء المسؤولين” البيجيديين” إلى وظائفهم الرسمية، مفضلين الاستفادة من تقاعد نسبي يتم جمعه مع معاش وزاري..
أمام وزيرة الاقتصاد والمالية ملف جديد من الريع، “فَرَّخ” من حاضنة تتخذ من خوف الله مرجعا وشعارا، وما عليها إلا أن تؤشر بالقبول على الطلبات، لأنها ذاتها، بعد خمس سنوات من الآن ستحال على تقاعد وزاري بمعاش”بيليكي”.
على نغم الفنان التونسي بوشناق الذي تغنّى حسرةً في رائعته “أنا مواطن”، بالقول “خذوا المناصب والمكاسب واتركوا الوطن..”، أقول، بعدما كسبتم المناصب، اتركوا لنا ما تبقّى من هذا الوطن، من مالية هذا الوطن، لأنّ معاشاتكم وتقاعدكم المكلِّفة قد تُجْهز على هذا الوطن.