كي نفهم ما يجري اليوم بين المغرب وإسبانيا لابد من محددات منطقية، وهذه الأخيرة لا يمكن التلاعب بها، كما أن ما أقدم عليه الاتحاد من بيان بصيغة “اُنصر أخاك ظالما أو مظلوما” لا يليق بتكتل سياسي واقتصادي يعتبر المغرب شريكا استراتيجيا ويرتبط معه بعشرات الاتفاقيات ذات الطابع الطويل الأمد في الصيد البحري والفلاحة والصناعة والتجارة واتفاقيات أمنية وثقافية وغيرها. المغرب بالنسبة للاتحاد الأوروبي شريك استراتيجي وهو البلد الوحيد الذي حاز هذه الصفة من خارج أوروبا.
لكن ما الذي وقع اليوم؟ إسبانيا بررت استقبالها لإبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية المتابع بجرائم حرب وجرائم أخرى كثيرة من قبل القضاء الإسباني، بدواع إنسانية. المنطق يفرض أنها ينبغي أن تستقبل المهاجرين غير الشرعيين من إفريقيا جنوب الصحراء لدواع إنسانية، لأنهم لم يلجؤوا لهذا السلوك إلا بعد أن ضاقت بهم السبل.
المغرب كان واضحا في موضوع الهجرة غير الشرعية وقام بمجهودات جبارة من أجل معالجة هذا الموضوع، سواء من حيث تعزيز المنظومة الأمنية أو من حيث تهييء بنيات استقبال للمهاجرين، الذين استقروا في المغرب، لكن المغرب ليس ملزما بأن يكون دركيا يحرس أوروبا، لأن هذه العملية لها تكلفة باهظة ولا شيء يلزم المغرب بأن يضحي من أجل بلدان تنازعه حقوقه التاريخية.
لقد أخطأت إسبانيا عندما استقبلت شخصا يعتبر محاربا للمغرب، والأدهى أن الأمر تم تحت هوية مزيفة وباسم محمد بن بطوش الجزائري، وكان على الأقل استشارة المغرب في الموضوع، لكنها لم توضح للمغرب الدواعي الحقيقية، بل غطت عليه ورغم عشرات الشكاوى ضده لم يصل إليه القضاء بما يعني أنه محمي من جهات إسبانية عليا، وهذا لا يليق بحسن الجوار.
المغرب ليس بلدا يشجع الهجرة غير الشرعية فهو بلد ضحية عدم تنفيذ القانون الدولي، ولكنه لن يقوم بالدور الذي ينبغي أن تقوم به أوروبا ويحرس شواطئها، وبالتالي ما عليها سوى انتظار موجات من المهاجرين كان المغرب في إطار اتفاقيات بينية يقوم بمنعهم من الوصول إلى أوروبا أما وقد نزعت هذه الدول متكتلة نحو الدعم غير المشروط للخطإ الإسباني فما عليها سوى تحمل مسؤوليتها، حيث إنها رفعت اليوم الحرج عن المغرب، الذي لن يحرس لها حدودها البحرية.
في التعاون بين البلدان وبينها وبين الاتحاد هناك مصالح متبادلة ومنافع يتم تحقيقها، قد تتحد دول الاتحاد الأوروبي بدافع الحمية والانتماء الجغرافي والثقافي والسياسي والعسكري والاقتصادي، لكنها نسيت أن شريكها في الضفة الأخرى من المتوسط قدم لها خدمات، وهي خدمات يمكن أن يتخلى عنها المغرب اليوم، وتتعلق بتقديم معلومات دقيقة حول الإرهاب مما جنب بلدان الاتحاد مخططات تخريبية.
ولا نعرف كيف تتجه بعض البلدان نحو توتير العلاقة مع المغرب في وقت يقول وزير خارجية أمريكا إن المغرب شريك استراتيجي ويعيد نشر نص الاتفاق الثلاثي على موقع وزارة الخارجية بمعنى استمرار موقف الاعتراف بمغربية الصحراء؟