غطت أعمال العنف الممارسة على الشعب الفلسطيني في الأيام الأخيرة على العديد من الأحداث. لكنها، برغم البشاعة التي كانت عليها في حق المدنيين والأطفال، وما صاحبها من تضامن مغربي إنساني نوعي لا مشروط، كسلوك تقليدي لصالح القضية الفلسطينية، وظل يصاحبها، كلما اشتد الضيق على الإخوان الفلسطينيين في محنهم منذ 1948 مرورا بـ”نكبة” 1967 وما تلاها من أزمات في سبعينيات القرن الماضي إلى اليوم، لم تكن كافية (أعمال العنف) لتحجب الأنظار عن واحد من أهم الأحداث أكثر أهمية في تاريخ الدبلوماسية الدولية التي تمتح من علاقات الصداقة والشراكة بين الدول، وتاريخ العلاقات الثنائية، ومنها العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمغرب، التي “تأكل” من الولايات المتحدة قرنين من إجمالي وجودها على البسيطة الذي يتعدى بالكاد خمسة قرون.
يوم الإثنين الأخير الذي وافق السابع عشر من ماي الجاري (2021)، احتفلت “السفارة الأمريكية” في طنجة بالذكرى الـ 200 على منح المغرب واشنطن أول مفوضية دبلوماسية لها بالعالم، وأقدمها إلى اليوم، وهي التي تعتبر المعلمة التاريخية الأمريكية الوحيدة المتواجدة خارج أمريكا، ذلك أن السلطان العلوي مولاي سليمان هو الذي وهب للجمهورية الأمريكية تلك الأرض والبناية قبل قرنين من الآن، أي في سنة 1821 بالتمام والكمال.
إذا كان التاريخ الرسمي للبلدين يؤكد هذا المعطى، بل إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية لا تتوانى في كل مناسبة في الإشادة بعمق العلاقات التاريحية بين الرباط وواشنطن وتجذرها، فإن القائم بالأعمال بسفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالمغرب، ديفيد غرين، واحتفالا بالذكرى المئوية الثانية لافتتاح هذه السفارة ــ المفوضية أكد ذلك، بحضور عدد من الشخصيات المدنية والعسكرية بالقول، إن “السلطان مولاي سليمان وهب هذه البناية الرائعة للحكومة الأمريكية سنة 1821. وقبل مائتي سنة بالتمام والكمال، هيأ القنصل الأمريكي جون مولوني هذه البناية وأصبحت المفوضية الأمريكية بعثة دبلوماسية رسمية”.
يحاول أعداء المغرب وحساده الكُثر التغاضي عن فهم سرّ العلاقة الثنائية المغربية الأمريكية الناجحة الضاربة في التاريخ، التي كان من نتائجها الاعتراف الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية، قبل قرابة أربعة أشهر من الآن، بمغربية الصحراء وبالسيادة المغربية الكاملة للمغرب على أقاليمه الجنوبية، لكنهم دائما عبثا يفعلون، لأنهم يدركون تمام الإدراك أن التحصيل الحاصل من قرنين من العلاقات الثنائية المتجذرة، لا يمكنها إلا أن تثمر العديد من المصالح الثنائية التي تسير بالطبع وفق القوانين والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان وغيرها.
أعداء المغرب وحساده الذين غاضهم الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء والسيادة المغربية الكاملة على الأقاليم الجنوبية يدركون أيضا أن أول دولة اعترفت أصلا باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، كانت هي المغرب، وكان ذلك سنة 1777، الذي وقّع معها اتفاقية للسلام والصداقة والتعاون، لا تزال سارية إلى اليوم، وتمت مصادقة الكونغرس الأمريكي عليها سنة 1787.
في عز الحنق والضيق اللذين يعيشهما أعداء المغرب، وفي مقدمتهم الجزائر، لم تَتَوانَ الولاياتُ المتحدة الأمريكية في إطار احتفالاتها بالذكرى الـ 200 على منح الرباط واشنطن أول مفوضية دبلوماسية لها بالعالم، في قطع الشك باليقين، حينما نشرت وزارة خارجيتها، الإثنين الأخير (17 ماي 2021)، على موقعها الرسمي الاتفاقيات الدولية للولايات المتحدة الأمريكية المغربية بكامل شروطها، لتؤكد أن إدارة بايدن تتبنى نهائيا وعمليا قرار إدارة ترامب، القاضي بالاعتراف الرسمي بمغربية الصحراء..