في الزحام الصاخب لجولات الحوار الاجتماعي الأخيرة، غاب صوت واحد كان يُفترض أن يكون الأعلى: إصلاح التقاعد.
الملف الذي طُرح في البداية كأولوية، بدا كأنه تراجع إلى الصفوف الخلفية، يراقب بصمت، ويؤجل إلى أجل غير مسمى.
في المرات الأولى التي اجتمعت فيها الحكومة بالنقابات، لم يكن هناك أثر ملموس لهذا الملف على الطاولة. لا ورقة، لا أرقام، لا تصور واضح.
فقط صمت يوحي بالكثير. مصادر نقابية تحدثت عن “تجاهل متعمد” من طرف الحكومة، التي يبدو أنها لا ترغب في إشعال نار مواجهة جديدة، خاصة ونحن نقترب من لحظة الانتخابات، حيث تُحسب الخطوات بالكلمات، وتُوزن الوعود بالمخاوف.
الكل يعرف أن إصلاح التقاعد ليس نزهة. الأمر يتعلق برفع سن الخروج من العمل، تقليص المعاش، وزيادة الاقتطاعات.
وكل واحدة من هذه الإجراءات كافية لإثارة عاصفة اجتماعية.
ولهذا، يفضل البعض ترك الباب مواربًا، في انتظار موسم سياسي أقل هشاشة.
من جانبها، لا تزال الحكومة، عبر تصريحات متفرقة، تؤكد أن الملف لم يُطوَ بعد، وأنه في “قلب الاهتمام”، كما قالت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح علوي.
لكن بين التصريحات والواقع، مساحة من الغموض، وربما من التردد. فالزمن يمضي، والوعود تظل معلقة، والنقابات بدأت تشك في جدية هذا “الاهتمام”.
العمال، من جهتهم، يسمعون عن إصلاحات قادمة لا تحمل لهم سوى أعباء إضافية. لا أحد يتحدث عن تحسين معاش أو تخفيف اقتطاع. كل الحديث يدور حول ما يجب “تحمله”.
والنقابات، وهي تقرأ هذا المشهد، لا تخفي خشيتها من أن يكون التأجيل مجرد تكتيك سياسي، وأن تعود الحكومة إلى الملف في لحظة ما بعد الاقتراع، حين تخف حرارة الشارع وتقل الضغوط.
في النهاية، يظل ملف التقاعد معلقًا بين التصريحات والانتظارات. ملف ثقيل، مكلف، لكنه ضروري. الجميع يعرف أنه لا يمكن تجاهله إلى الأبد، لكن لا أحد يبدو مستعدًا لحمله الآن. وهكذا، نواصل الدوران في دائرة مفرغة… عنوانها: الإصلاح المؤجل.