تعيش الجزائر منذ الاستقلال وضعاً سياسياً خاصاً، إذ ظلت المؤسسة العسكرية بمختلف أجنحتها ممسكة بمقاليد الحكم الحقيقي، رغم تعدد الرؤساء والحكومات والبرلمانات. ورغم كل محاولات تقديم واجهات مدنية، بقي الجيش الوطني الشعبي، ومعه الأجهزة الأمنية، في موقع الموجه الرئيسي للقرارات، خاصة عبر النفوذ التاريخي الذي لعبه جهاز المخابرات (DRS) حتى تفكيكه شكلياً في 2015.
أحداث الحراك الشعبي عام 2019، وما تلاه من سقوط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أعطت أملاً مؤقتاً بإمكانية تغيير هذا الواقع، لكن سرعان ما تبيّن أن الجيش ما زال هو الفاعل الرئيسي، مهما تغيرت الوجوه والمناصب. فالرئيس الحالي عبد المجيد تبون، وإن جرى انتخابه بعد انتخابات رئاسية وصفت بـ”التعددية”، إلا أن الكثيرين يرونه امتداداً للخيارات العسكرية.
سياسياً، ما زال المشهد يتسم بانسداد واضح؛ المعارضة تعاني من التضييق والسجون والملاحقات، والفضاء الإعلامي مقيّد، فيما يبقى البرلمان والحكومة بلا صلاحيات حقيقية في نظر الكثير من المتابعين.
اقتصادياً، يعتمد اقتصاد الجزائر بشكل شبه كلي على صادرات النفط والغاز، دون تنويع جاد، ما يجعله رهينة تقلبات الأسواق العالمية. ومع تراجع أسعار الطاقة أحياناً، تتضاعف المخاطر الاقتصادية والاجتماعية.
اجتماعياً، تتنامى مظاهر الإحباط واليأس، خاصة بين الشباب الذين يفضل كثيرون منهم الهجرة غير الشرعية (“الحرقة”) بحثاً عن فرص خارج البلاد. هذه الظاهرة باتت رمزاً لفقدان الثقة في الأفق السياسي والاجتماعي.
دولياً، تبدو الجزائر في وضع دبلوماسي متذبذب؛ فمن جهة، تحاول لعب أدوار إقليمية في ملفات مثل ليبيا ومالي وفلسطين، لكن من جهة أخرى، فإن استمرار التضييق السياسي قد يعزلها نسبياً في علاقاتها مع شركاء دوليين يشترطون الانفتاح والحريات.
ختاماً، يبدو أن استمرار هيمنة المؤسسة العسكرية دون أي إصلاح سياسي حقيقي قد يفتح الباب أمام مزيد من الاحتقان الاجتماعي وعدم الاستقرار، وربما احتجاجات جديدة. ولا سبيل لتجاوز هذا الوضع سوى بالقطع مع منطق الحكم العسكري، وإرساء قواعد ديمقراطية حقيقية، تضمن مدنية الدولة وتداول السلطة بشفافية.