في أقل من ثلاث سنوات توصلت بوابة “شكايتي” بأكثر من مليون شكاية من مرتفقين متضررين من الإدارة العمومية، ولا يمكن، طبعا، إلا تشجيع عمل من هذا النوع في رصد عيوب الإدارة المغربية، لكن يبقى السؤال مطروحا هو أي منحى تأخذه الإدارة بعد كل ذلك، إذ أن الشكايات، التي تم معالجة أغلبها، والمعالجة هنا لا يعني الاستجابة لأصحابها، لكن هناك مئات آلاف المرتفقين، الذين يعانون من الإدارة لكن إما يحتجون بشكل مباشر أو يسلمون رقابهم لموظفين لا يرحمون أو يطلبون من الله تخليصهم من “جهنم” الأوراق الإدارية، التي تضعهم وجها لوجه مع من يقوم بجلدهم.
على المواطن المغربي أن يعرف أن عهد جلالة الملك محمد السادس موسوم ب”تقريب الإدارة من المواطنين”، ومنذ البدايات الأولى وهو يصر على أن تكون الإدارة في خدمة المواطن، وعاد في افتتاح الدورة التشريعية 2016 ليقول “الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات هو خدمة المواطن؛ وبدون قيامها بهذه المهمة فإنها تبقى عديمة الجدوى، بل لا مبرر لوجودها أصلا. وقد ارتأيت أن أتوجه إليكم اليوم، ومن خلالكم لكل الهيئات المعنية وإلى عموم المواطنين، في موضوع بالغ الأهمية، هو جوهر عمل المؤسسات. وأقصد هنا علاقة المواطن بالإدارة، سواء تعلق الأمر بالمصالح المركزية، والإدارة الترابية، أو بالمجالس المنتخبة، والمصالح الجهوية للقطاعات الوزارية”.
إصلاح الإدارة مشروع اتخذ نفسا “ثوريا” و”جذريا” لأنه الطريق الوحيد إلى الخلاص، وهي التي تمثل عصب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتمثل مختلف المرافق المعنية بالاستثمار وتشجيع المقاولات، وحتى قضاء الحاجيات البسيطة للمواطن، كيفما كان نوعها، فالغاية منها واحدة، هي تمكين المواطن من قضاء مصالحه في أحسن الظروف والآجال، وتبسيط المساطر، وتقريب المرافق والخدمات الأساسية منه. أما إذا كان من الضروري معالجة كل الملفات، على مستوى الإدارة المركزية بالرباط، فما جدوى اللامركزية والجهوية، واللاتمركز الإداري؟
إذا كان جلالة الملك يتأسف على عيوب الإدارة فهذا ينبغي أن يوحي لنا بأن هناك من لا يريد الخير للبلاد والعباد قال جلالته “مع كامل الأسف، يلاحظ أن البعض يستغلون التفويض الذي يمنحه لهم المواطن لتدبير الشأن العام في إعطاء الأسبقية لقضاء المصالح الشخصية والحزبية، بدل خدمة المصلحة العامة، وذلك لحسابات انتخابية، وهم بذلك يتجاهلون أن المواطن هو الأهم في الانتخابات، وليس المرشح أو الحزب، ويتنكرون لقيم العمل السياسي النبيل..فإذا كانوا لا يريدون القيام بعملهم ولا يهتمون بقضاء مصالح المواطنين، سواء على الصعيد المحلي أو الجهوي، وحتى الوطني، فلماذا يتوجهون إذن للعمل السياسي؟”.
هذه هي الإدارة سواء كانت تابثة المجسدة في الموظفين العموميين أو عبارة المجسدة في المنتخبين، تمعن وتسرف في إذاية المواطن المرتفق، والأدهى والأمر أن يكون الأمر يتعلق بالاستثمار، إذ أن رخصة تتطلب 195 وثيقة وفق تقرير رسمي لبنك المغرب، وهذا إصرار على تعطيل الاستثمار.