محمد فارس
[الصّهيونية] ما هي، ومِن أين اشتُقّت، ومَن أسَّسها، وما هي مقاصدُها الخفية؟ هي إيديولوجيا بغيضة، وحركة سياسية، عنصرية متطرِّفة، ترمي إلى إقامة دولة واسعة للصّهاينة من النّهر إلى النهر أي من نهر (الفُرات) إلى نهر (النّيل).. اشْتقّتِ الصّهيونية من اسم جبل [صُهْيون] في (القدس)، حيث بنى (داود) قصره بعد انتقاله من (حبْرون) أي [الخليل] إلى (بيت المقدس) في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وهذا الاسم يرمز إلى مملكة [داود]، وإعادة تشكيل (هيكَل سُليْمان) من جديد، بحيث تكون [القدسُ] عاصمةً لدولة آل صُهْيون الكُبْرى.. ارتبطت [الصّهيونية] بشخصية الصّهيوني اليهودي النّمساوي [هرْتزل] الذي يعدُّ الدّاعية الأول للإيديولوجيا الصّهيونية، وهو الذي تقوم على آرائه الحَركة في كلّ أرجاء العالم.. ولِلصّهيونية العالمية جذورٌ تاريخية، فكْرية وسياسية، تَجْعل من الواجب الوقوف عند الأدوار التّالية: وردَتْ لفظة (صهْيون) لأوّل مرّة في العهد القديم، عندما تَعْرضُ للملك (داود) الذي أسّسَ مملكتَه: (1000 ــ 960) قبل الميلاد؛ ولحركة (المكابِيين) التي أَعْقبت العَودة من السَّبْيِ البابلي: (586 ــ 538) قبل الميلاد؛ ولحَركة (باركوخْيا: 118 ــ 138 ميلادية)، وقد أثارَ هذا اليهودي الحماسةَ في نفوس اليهود، وحثّهم على التّجمُّع في (فلسطين) وتأسيس دولة صُهْيونية فيها..
من سنة (1501) إلى سنة (1532) ميلادية، ظهرت حَركة [داڤيد روبين]، وتلميذُه [سولومُون مولوخ]، وقد حثَّ اليهودَ على ضرورة العَودة لتأسيس مُلْك [إسرائيل] في (فلسطين)؛ تَلتْها حركةُ [مَنشِهْ بن إسرائيل: 1604 ــ 1657 ميلادية]، وهي النّواةُ الأولى التي وَجَّهتْ خُططَ (الصّهيونية)، ورَكّزَتها على أساس استخدام (بريطانيا) في تحقيق أهداف الصّهيونية؛ ثمّ جاءت حركة [سَبْتاي زيفي: 1626 ــ 1676] الذي ادّعى أنّه مسيحُ اليهود المخلِّص، فأخذَ اليهودُ في ظلّه يَستعدّون للعودة إلى (فلسطين)، ولكن مخلّصَهم مات، فجاءت حَركة رجال المال التي تزعّمها [روتْشيلد، وموسى مونْتيفيوري]، وكانت تهْدف إلى إنشاء مستعمرات يهودية في [فلسطين] كخُطوة لامتلاك الأرض، ثمّ إقامة دولة الصّهاينة.. الحركةُ الصّهيونية العنيفة، قامت إثْر مذابح اليهود في [روسيا] سنة (1882)، وفي هذه الفترة ألّف [هيكْلر الجرماني] كتابًا بعنوان: [إرجاعُ اليهود إلى فلسطين حسَب أقوال الأنبياء]؛ وفي سنة (1893) ظهر مصطلح [الصّهيونية] لأوّل مرّة على يد الكاتب الألماني [ناثان برنباوم]، وفي سنة (1882) ظهرتْ في [روسيا] حركة [حبّ صُهيون]، وكان أنصارُها يتجمّعون في حلقات اسمُها [أحبّاء صهيون]، وترأّسَها [ليون بنسكر]، وتمَّ الاعترافُ بها، واستهدفتِ الجماعةُ تشجيع الهِجرة إلى [فلسطين] وإحياء اللّغة العِبْرية، وأخيرًا برزتِ (الصّهيونية الحديثة) وهي المنسوبة إلى [تيودور هرتزل] الصحفي المجري الذي وُلِد في (بودابيست) سنة (1860)، وحصلَ على شهادة الحقوق من جامعة [ڤيينا] في [النّامسا]، وهدفُها الواضحُ قيادةُ الصّهاينة إلى حُكم العالم، وضَرب العُنصر العربي، ومحْو الإسلام بدءًا بإقامة دولة لِلصّهاينة كمرحلة أولى في [فلسطين]، مع لعب لعبة السّلام في المنطقة..
لكن ما هي أفكارُ ومعتقدات الإيديولوجيا الصهيونية، وما هي مقاصدُها الخفية؟ تستمدّ الصّهيونية فكْرها ومعتقداتها من الكتب المقدّسة التي حرّفها اليهودُ، وتَعتبر الصّهيونية جميعَ صهاينة العالم اليهود أعضاءً في جنسية واحدة هي الجنسية الإسرائيلية، وتهدف الصّهيونيةُ إلى السّيطرة على العالم كما وعدهم إلاهُهم [يهْوه]، وتعتبِر الـمُنطلَق لذلك، هو إقامة حكومتهم على (أرض الميعاد) التي تمتدّ من نهر (النّيل) إلى نهر (الفُرات)، ويَعتقدون أنّ اليهودَ هم العنصر الممتاز الذي يجب أن يَسودَ العالم وكلّ الشعوب كما قال [فرويد] في كتابه: [اليهودية في ضوء التّحليل النفسي].. والصّهيونية استفادت من (الشيوعية) باعتماد الاقتصاد كعاملٍ أساسي في السّياسة، ومن (الدارْوينية) التي تقول إنّ البقاء للأقوى، فعملتْ على الحصول على القنبلة النّووية؛ واعتَمدَت (الفرويدية) مرتكزةً على الجنس ونشره باعتباره طاقةً أساسيةً في الإنسان، وروَّجتْ لمقولة: (الدين أَفيون الشّعوب) كما قالت (الماركسية)؛ كما لا ننسى أنّها سارتْ على خُطى النّازية في القتل، والإبادة، والتّهجير..
تَرى الصّهيونية أن أقْوم السُّبل لحُكم العالم، هو إقامة الحُكم على أساس التّخويف والعُنْف، مع اعتماد الكذب والخداع تَمشيًا مع فلسفة (ماكياڤيللّي) الذي يقول إنّ الغايةَ تُبرّر الوسيلة.. يقولون ويَدْعون إلى تسخير الحُرّيات من أجل السّيطرة على الجماهير، ويَقولون: يجب أن نَعرف كيف نقدِّم لهم الطُّعم الذي يوقعُهم في شباكنا، والطُّعْم الذي تقدِّمه اليوم [إسرائيل] هو طُعْم السّلام، والتّنمية الاقتصادية، وإطْلاع الـمَخدوعين على أسرار العلوم والتّيكنولوجيا، وهم بذلك والله لَكاذبون.. يُقْنِعون الشعوبَ الـمُغفَّلة بقولهم: لقد انتهى اليوم العَهد الذي كانت السّلطة فيه للدّين، أمّا الآن، فالسُّلطة للمال وحْده؛ لذلك يريدون تجميعَه في قبضتهم بكلّ وسيلة لتسْهُل سيطرتُهم على العالم، وما يقوم به [ترامب]، و[نتانياهو]، و[ماكرون] لخيْر دليل على صحة ما نقوله؛ كما ترى الصّهيونية أنّ السّياسة نقيض للأخلاق، ولابدّ فيها من المكر، والخداع، وأما الفضائل والصّدق، فهي رذائل في عُرفِ السياسة.. وتقول الصّهيونية إنّه لابدّ من إغراق الأُمَمِيين في الرذائل، والجرائم، والخلاعة، عن طريق مَن نهيِّئُهم لذلك من أساتذة، ومثقفين، وخدَم، وحاضنات، ونساء خلاعة، وملاهٍ، كما يجب أن تُسْتخدَم الرّشوة، والخديعة، والخيانة دون تردُّد ما دامتْ تحقّق مآرِبَنا.. هذه هي الإيديولوجية الصّهيونية البغيضة ومُعْتقداتها..