أثار وصول العشرات من الأطفال المنحدرين من مخيمات تندوف إلى عدد من الدول الأوروبية، في مقدمتها إسبانيا وإيطاليا وبريطانيا، موجة استياء وانتقادات واسعة من منظمات حقوقية، وسط اتهامات بتورط البرنامج المسمى “عطل من أجل السلام” في استغلال القاصرين لأغراض سياسية ودعائية، بل وحتى جنسية، تحت غطاء إنساني مزيف.
البرنامج، الذي ترعاه جبهة البوليساريو بدعم من جمعيات أوروبية متعاطفة معها، يُقدَّم كفرصة لهؤلاء الأطفال للاستجمام والعلاج والتعليم، غير أن تقارير ميدانية وشهادات حقوقيين تكشف عن واقع مختلف تمامًا، عنوانه الدعاية السياسية والاغتناء غير المشروع والتجنيد الأيديولوجي.
وفي هذا السياق، كشف تقرير استخباراتي إسباني حديث عن انخراط عدد من المستفيدين السابقين من البرنامج في جماعات إرهابية تنشط بمنطقة الساحل، مشيرًا إلى أن هذه الرحلات كانت مدخلًا لتأطيرهم أيديولوجيًا وإتقانهم اللغة الإسبانية، ما سهّل اندماجهم واستغلالهم لاحقًا في أنشطة متطرفة قد تهدد أمن أوروبا.
وأوضح عبد الوهاب الكاين، رئيس المنظمة الإفريقية لمراقبة حقوق الإنسان، أن فكرة البرنامج مستوحاة من مبادرة أطلقها الشاعر الإسباني ماركوس أنا، والتي كانت تروم اصطحاب أطفال السجناء السياسيين في إسبانيا إلى الخارج، غير أن النسخة التي تنفذها البوليساريو منذ سنة 1979 بتنسيق مع جمعيات ومنظمات إسبانية، تم تحويرها بالكامل نحو أهداف دعائية تخدم الأطروحة الانفصالية.
وأشار الكاين إلى أن البرنامج أضحى منصة لتلميع صورة البوليساريو واستدرار التعاطف الأوروبي مع انفصاليي الصحراء، من خلال تقديم الأطفال كضحايا في حملات إعلامية منظمة، مما يعمق فجوة الفهم داخل المجتمعات الأوروبية بشأن القضية الوطنية المغربية.
مصادر حقوقية أخرى أكدت أن البرنامج يستهدف أطفالًا تتراوح أعمارهم بين 10 و13 سنة، يتم إرسالهم دون مرافقة ذويهم، حيث سجلت حالات عنف واغتصاب، بل وحتى وفيات في ظروف مشبوهة، سواء بالغرق أو القتل بدافع الانتقام.
من جهتها، وصفت مينة لغزال، منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، البرنامج بكونه “عملية احتيال منظمة”، يتم من خلالها إيهام الأسر المحتجزة في مخيمات تندوف بوجود فرص علاج وتعليم لأبنائهم في أوروبا، بينما الحقيقة أن الأمر يتعلق بصفقات ضمنية بين جمعيات إسبانية وممثلي البوليساريو لنهب الدعم الإنساني وفتح قنوات ربح غير مشروع.
وأكدت لغزال أن الجزائر والبوليساريو يتقاسمان المسؤولية في تهميش الأطفال الصحراويين، بحرمانهم من وضع قانوني واضح، ومن البنيات الأساسية في الصحة والتعليم، في مقابل تسهيل عمليات التبني، والانسلاخ عن الهوية الثقافية والدينية لهؤلاء القصر، في بيئة أوروبية مشحونة بالتناقضات.
وكشفت التحقيقات عن كون البرنامج أصبح مصدر دخل رئيسي لقيادات الصف الأول والثاني في جبهة البوليساريو، حيث يتم استخدام الأطفال كأدوات ضغط على الحكومات الأوروبية، كما تُستخدم صورهم ومآسيهم في الحملات السياسية لاستمالة الرأي العام الغربي ضد المغرب.
وفي خضم هذا الجدل، تطرح منظمات حقوقية أسئلة حارقة حول مدى احترام البرنامج للمعايير الدولية لحماية الأطفال، ومدى شرعية نقل قاصرين من بيئة مضطربة إلى مجتمعات أجنبية دون مواكبة نفسية واجتماعية، أو حتى إشراف قضائي.
وتدعو أصوات حقوقية إلى فتح تحقيقات مستقلة دولية للكشف عن حقيقة ما يحدث خلف ستار برنامج “عطل من أجل السلام”، ومحاسبة المتورطين في استغلال الطفولة الصحراوية في أجندات انفصالية ومصالح ضيقة، على حساب براءة الصغار وحقهم في الأمان والانتماء.
وفي وقت تستمر فيه جبهة البوليساريو في الترويج لوجه إنساني مزعوم، تزداد المطالب برفع الستار عن الوجه الآخر للبرنامج: وجه تُختطف فيه الطفولة من بيئتها، لتتحول إلى سلعة سياسية، وأداة ابتزاز في معركة لا تمت للإنسانية بصلة.