محمد عفري
خرجت مديرية الدراسات والتوقعات المالية بوزارة الاقتصاد بـ”دراسة جديدة” عن السياحة الداخلية، لتقول لنا إن استغلال الإمكانيات المتاحة في السياحة الداخلية بالمغرب رهين بتقوية القدرة الشرائية للمواطنين وتعزيز العرض السياحي ليكون أكثر تنافسية من حيث الجودة والسعر.
لا جديد يُذْكَر في هذه الدراسة ونتائجها، التي يمكن أن تكون كلفت الوزارة الوصية والمديرية المختصة الكثير من المجهودات ومن الأموال، مادام الواقع يؤكد أن بين المواطن المغربي والسياحة الداخلية، كمفهوم اجتماعي، عازلا “كهربائيا” صاعقا، ومادامت القدرة الشرائية للمغربي حاجزًا للمواطن نفسه في مواجهة عيشه الكريم أولا، وفي قصد الطبيب من أجل صحته ثانيا، دون الحديث عن باقي معيقاته في الحد الأدنى من هذا العيش الكريم.
لدى الحكومات المتعاقبة، وخصوصا منذ حكومتي بنكيران والعثماني إلى حكومة أخنوش، أصبح الحديث عن السياحة الداخلية وجعلها في متناول المغاربة مثل الحديث عن عصا سحرية سيضرب بها المغرب، لتنفجر في ومضة عين حلولا للانتعاش السياحي؛ القطاع الذي يساهم بحوالي 7,1 في المائة من الناتج الداخلي الخام، ويشغل 4,7 في المائة من الساكنة النشيطة المشتغلة، و بـ42 في المائة من صادرات الخدمات، ويستقطب 9,6 في المائة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة. لكن واقع الحال يؤكد أن هذا الحديث أصبح على مقاس المثل الذي يقول: “السِّكِّير؛ كلام الليل يمحوه النهار..”.
القليل من الجديد في نتائج دراسة مديرية الدراسات والتوقعات المالية بوزارة الاقتصاد والمالية هو دعوتها المباشرة إلى تقوية القدرة الشرائية للمواطن من أجل تعزيز العرض السياحي وجعله تنافسيا من حيث السعر أولا وأخيرا، لأن الجودة متوفرة أصلا، ليس في الخدمة السياحية، وإنما في الثروات السياحية الوطنية المتنوعة في الطبيعة المغربية الخلابة، ما بين بحر ونهر وجبل ووادٍ وبحيرة وصحراء، وكلها ثروات قد تستهوي المواطن أكثر من غيره في كل الفصول وعلى مدار العام.
تقوية القدرة الشرائية، رسالةٌ واضحة إلى عزيز أخنوش رئيس الحكومة ومن معه من وزراء في الحكومة ذاتها، بالإضافة إلى النقابات. رسالةٌ تتضمن حلا واحدا ووحيدا هو الرفع من الأجور، لمواجهة موجة ارتفاع الأسعار أولا، في خضم تداعيات أزمة كورونا وأزمة الموسم الفلاحي القاحط، ثم أزمة الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت قبل أسبوع، وستكُون لها ما لها من تداعيات هي الأخرى. أما القدرة الشرائية من أجل السياحة التي تبقى في المتداول الشعبي لدى غالبية المغاربة “خْضْرة فُوقْ طْعام”، فهي تحتاج إضافة إلى تجويدها برفع الأجور والرواتب، إلى إعادة النظر فيها من حيث تركيبةُ شبكتِها، خصوصا فيما يتعلق بالحد الأدنى للأجور (السميغ) الذي يختلف من قطاع إلى آخر.
يؤكد الواقع ألا قدرة شرائية للأغلبية الساحقة من المغاربة حتى في أن يواجهوا تكلفة المعيش اليومي الذي يفرضه عليهم الارتفاعُ في أسعار المواد الاستهلاكية الضرورية، سنة بعد أخرى، وفي استقرار أجورهم الشهرية على ما هي عليه لسنوات طوال، ويفرضه عليهم أيضا ارتفاعُ معدل البطالة إلى مستويات قياسية بين الطبقة النشيطة فيهم، وكيف للمغاربة أن” يسيحوا” ببلدهم الزاخر بالثروات الطبيعية الخلابة من شماله، حيث حوض البحر الأبيض المتوسط إلى جنوبه الصحراء، ومن شرقه إلى غربه حيث المحيط الأطلسي بشواطئه الخلابة.
ربْط القدرة الشرائية للمواطن المغربي من أجل السياحة الداخلية وانتعاشها، يفرض السؤال إلى متى سيظل المواطن غائبا عن مفكرة الحكومات إلا في النوائب.
نتمنى أن يتم التفكير في رفع القدرة الشرائية للمواطن في مواجهة التعليم والصحة وارتفاع أسعار المحروقات وما يترتب عنها من رفع في باقي الأسعار.. نتمنى كذلك رفعًا للأجور، أما السياحة الداخلية فغالبية المغاربة اعتادوا على أن “يسيحوا” عند أقاربهم في إطار صلة الرحم، وفي أغلب الأحوال يعودون إلى “أصولهم” من حيث هاجروا من البوادي والمدن الصغيرة إلى نظيرتها الكبيرة.