في خطوة تعكس التحول المتنامي في مواقف النخب السياسية بأمريكا الجنوبية تجاه قضية الصحراء المغربية، صادقت لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس البيروفي، بأغلبية أعضائها، على ملتمس يدعو السلطة التنفيذية، ممثلة في وزارة الخارجية، إلى إعلان موقف رسمي يدعم سيادة المملكة المغربية على أقاليمها الجنوبية، ويعترف بمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل جدي وواقعي للنزاع الإقليمي.
وحصل الملتمس، الذي تقدمت به النائبة باتريثيا خواريث غاييغوس عن حزب “القوة الشعبية”، على عشرة أصوات مؤيدة مقابل أربعة أصوات معارضة فقط، حسب ما أوردته البوابة الرسمية للكونغرس البيروفي.
من الاعتراف بالحكم الذاتي إلى التحذير من تهديدات الإرهاب
واعتبرت مقدمة الملتمس أن المقترح المغربي للحكم الذاتي يمثل “حلاً جاداً ومتوافقاً مع القانون الدولي”، ويعكس انخراط الرباط في منطق التسوية السلمية. كما استند النص إلى العلاقات الثنائية العريقة بين المغرب والبيرو، الممتدة منذ عام 1964، والتي تقوم على مبادئ الاحترام المتبادل والدفاع عن السلم والاستقرار.
الملتمس البيروفي تجاوز نطاق الدعم الرمزي إلى الدعوة الصريحة لـ”تنبيه المجتمع الدولي إلى الارتباطات المشبوهة لجبهة البوليساريو بمنظمات إرهابية، مثل حزب الله، وشبكات الاتجار غير المشروع بالبشر والأسلحة واستغلال القُصّر في مخيمات تندوف”.
كما حذّر من محاولات “محور طهران – حزب الله – البوليساريو” زعزعة استقرار منطقة شمال إفريقيا والمغرب العربي، في إطار مخطط يتوسل بالتغلغل الأيديولوجي وتمويل التطرف العنيف، وهو ما يُهدد الأمن القومي لبلدان مثل المغرب، وفق ما ورد في نص الوثيقة.
دلالات التحول في أمريكا الجنوبية
وتُعد هذه الخطوة ذات دلالة سياسية عميقة، بالنظر إلى تاريخ أمريكا الجنوبية الذي كان، لعقود، مرادفًا لدعم الطروحات الانفصالية في قضية الصحراء، في ظل توجهات يسارية كلاسيكية ظلت تُناصر جبهة “البوليساريو” من منطلقات أيديولوجية تتجاوز منطق القانون الدولي.
غير أن هذه الدينامية بدأت تتآكل تدريجيا، في ضوء التحولات الإقليمية وتغير أولويات الدول، إلى جانب التوسع الدبلوماسي المغربي النشط في أمريكا اللاتينية، حيث نجحت الرباط في بناء علاقات استراتيجية مع بلدان وازنة في القارة، عبر الاستثمار، والتعاون الأمني، والدفاع، ونقل التجربة التنموية.
ويرى مراقبون أن مصادقة لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس البيروفي تُجسد تبلور وعي سياسي جديد داخل النخب البرلمانية في أمريكا الجنوبية، يقوم على الإدراك الواقعي للمخاطر العابرة للحدود التي تمثلها الحركات الانفصالية المسلحة، ومن ضمنها “البوليساريو”، وعلى أهمية تعزيز الشراكات مع دول ذات وزن جيوسياسي متنامٍ، كالمغرب.
نقطة تحوّل دبلوماسية
هذا التحول البرلماني في البيرو يُضاف إلى سلسلة مواقف متتالية لعدد من بلدان أمريكا اللاتينية، من بينها الباراغواي، السورينام، والدومينيكان، التي دعمت الوحدة الترابية للمغرب، أو فتحت قنصليات في الأقاليم الجنوبية، مما يُشير إلى بداية تصدع الجبهة الإقليمية المؤيدة للانفصال، وبروز مواقف جديدة تُناصر الاستقرار الإقليمي والحلول الواقعية، تحت مظلة الشرعية الدولية.
وفي ظل هذا الزخم، يُنتظر أن يُترجم هذا الملتمس البيروفي، خلال الأسابيع المقبلة، إلى موقف رسمي من قبل الحكومة، يُعزز دينامية الدعم الدولي المتنامي لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي وصفها مجلس الأمن الدولي، مرارًا، بـ”الجادة وذات المصداقية”.