في سوق شبه خاوٍ إلا من بعض العربات المتوقفة على استحياء، يقف خالد الرميتي، بائع الفحم منذ سنوات، يحدّق في أكياس الفحم التي كانت بالأمس القريب تُباع كما يُباع الذهب في مواسم العيد، واليوم يعلوها الغبار.
يقول الرميتي لـ“صوت المغرب”، بنبرة يغالبها الحزن: “منذ بدأت أبيع الفحم قبل سنوات، لم أعش ركودًا كهذا… كنّا ننتظر موسم عيد الأضحى ليُنقذنا من خسائر السنة، أما اليوم فحتى بثمن 70 درهمًا لا أحد يشتري”.
قرار منع ذبح الأضاحي، الذي أُعلن رسميًا قبل أشهر، كان له وقع الزلزال على عشرات المهن الموسمية، لكن بائعي الفحم وجدوا أنفسهم في قلب العاصفة. فقد كان هذا الموسم بالنسبة إليهم موسمًا ذهبيًا، يُعوّضون فيه شحّ الأرباح، ويغطّون مصاريف الأسر والأولاد. “كنا نستبشر خيرًا بقرب العيد، فالناس كانت تتهافت على شراء الفحم، أما اليوم فلم يعد أحد يسأل عنا، بل طُردنا من الأسواق، ومنعنا من عرض سلعنا، فماذا نفعل بكل هذه الكميات؟”، يتساءل الرميتي، وعيناه على شاحنته المحمّلة بأكياس ما زال ينتظر من يشتريها.
الرميتي يطالب الحكومة بالتدخل العاجل لتعويض هذه الفئة عن الخسائر الفادحة التي لحقت بها. “لسنا مجرد تجار موسميين، نحن جزء من سلسلة اقتصادية ممتدة، تضم السائقين الذين ينقلون الفحم من مناطق بعيدة، والشباب الذين يعيلون أسرًا بأجر يومي. اليوم توقّف كل شيء، ونحن في أزمة خانقة”.
ولا يخفي الرميتي تفهّمه للقرار من الناحية الاجتماعية، قائلًا: “صحيح أن القرار كان رحيمًا بالفئات الفقيرة التي لم تقدر على شراء الأضحية، لكن ماذا عنّا نحن؟ الفلاحون، مربو الماشية، وبائعو الفحم… كلنا تضررنا. التعويض حق مشروع، والحكومة مطالبة أن لا تتركنا نواجه مصيرنا وحدنا”.
تشير معطيات الوكالة الوطنية للمياه والغابات إلى أن المساحات المخصصة لإنتاج الفحم الخشبي في المغرب تصل إلى حوالي 20 ألف هكتار سنويًا، أغلبها في الأطلس المتوسط والغرب والريف وتادلة أزيلال. ويبلغ حجم الإنتاج حوالي 50 ألف طن سنويًا، منها 10 آلاف طن مستخلصة من الأشجار المثمرة.
عيد الأضحى هذا العام أتى مختلفًا، بعدما وجّه الملك محمد السادس رسالة إلى الشعب، دعا فيها إلى عدم ذبح الأضاحي نظرًا لتراجع أعداد الماشية وما لذلك من تبعات اقتصادية واجتماعية.
في قلب السوق، يقف الرميتي منتظرًا زبونًا قد لا يأتي، يحسب خسائره بالدرهم، لكن وجعه أعمق: “كنا نعيش على أمل هذا الموسم، والآن خسرنا كل شيء”.