عرفت الدورة البرلمانية الربيعية ، أجندة تشريعية مهمة وقضايا اقتصادية واجتماعية ذات راهنية اشغلت بال المغاربة ، و نشاطا تشريعيا مكثفا، ولاسيما على مستوى لجنة العدل والتشريع، و مشاريع قوانين اكتست أهمية تشريعية بمناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية الذي يضم 644 مادة، والمسطرة الجنائية والقانون الجنائي وقانون المحاماة وتنظيم مهنة العدول والنساخة والموثقين.
و عرفت زخم تشريعي وإدخال التعديلات الضرورية في زمن غير محكوم بالسرعة والتسرع،إذ تتطلب المشاريع المعالجة المتأنية بحس تشاركي، نظرا لكونها تتعلق بقواعد قانونية ستحكم المجتمع لسنوات.
و تعطلت مناقشة مشاريع طال انتظارها كالقانون التنظيمي للإضراب، والقانون المنظم للنقابات، بعد المبادرة التشريعية البرلمانية بطلب الدراسة والمناقشة، بشكل متوازن مع المشاريع التي تأتي من الحكومة، حيث سجلت المعارضة التوقيع على صفر مقترح قانون في هذه الدورة كما حصل في الدورات السابقة، وهو الأمر الذي لا يستقيم مع كون البرلمان هو المصدر الوحيد للتشري”.
وتطلع البرلمان الى انضباط حضور رئيس الحكومة في الجلسات الشهرية، و راهن على جلسات أسبوعية للأسئلة في تجويد الخطاب الحكومي والنفاذ إلى الحلول الحقيقية لمشاكل المواطنين بدل الإطناب في العموميات” و عرفت سيل كبير من الأسئلة مقابل تسجيل مضمون بعض الأجوبة لا تنسجم مع مضامين الأسئلة، و حملت من لغة الخشب أكثر من لغة الواقع”
وتضع الأجندة الرقابية والتشريعية الحافلة للدورة الربيعية للبرلمان، التي تكتنفها رهانات اجتماعية واقتصادية وسياسية عديدة، المؤسسة التشريعية في قلب النقاش العمومي، وهو ما يستدعي من مكوناتها توظيف كافة الآليات المتاحة لهم على المستويين التشريعي والرقابي، بهدف إخراج النصوص القانونية المتسقة وطبيعة المرحلة الراهنة والمستجيبة للتحديات المطروحة.
ويمثل الاستحقاق الرقابي والتقييمي الهام المتمثل في تقديم الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة أمام البرلمان طبقا لمقتضيات الفصل 101 من الدستور، لحظة سياسية ودستورية رفيعة وتمرينا ديمقراطيا وتواصليا يعكس نضج الممارسة البرلمانية المغربية والتفاعل البناء بين السلطتين التنفيذية والتشريعية فضلا عن كونه فرصة لإطلاع الرأي العام الوطني على المنجز الحكومي ومدى وفاء الحكومة بتعهداتها المتضمنة في برنامجها الحكومي باعتباره أساسا تعاقديا مع المواطنين.
بعد مخاض طويل ونقاشات ومشاورات مكثفة، توفقت مكونات مجلس النواب، في إقرار نظام داخلي جديد للمجلس سمته الأبرز اشتماله على 13 مادة معدلة تتعلق بمدونة الأخلاقيات البرلمانية بعد استحضار مضمون الرسالة الملكية الموجهة إلى البرلمان بمجلسيه بمناسبة الذكرى الستين لقيامه وتُرسي هذه الخطوة التي كانت محط ترقب من لدن المتابعين للشأن السياسي الوطني، لبنة أخرى في مسار تعزيز الثقة في المؤسسات المنتخبة وتخليق الحياة البرلمانية، ورسم صورة مضيئة عن مستوى النضج الذي بلغته الممارسة السياسية في البلد والتي تعد المؤسسة التشريعية إحدى واجهاتها البارزة.
والأكيد أن التوجيهات الملكية السامية الواردة في الرسالة التي وجهها جلالة الملك بمناسبة تخليد الذكرى الستينية لقيام البرلمان، كانت عاملا حاسما في تسريع عملية تعديل النظام الداخلي وتضمينه مدونة الأخلاقيات ، حيث أكد جلالة الملك على ضرورة “تخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها، تكون ذات طابع قانوني ملزم”.
وتفاعلا مع التوجيهات الملكية السامية، عكف مكتب مجلس النواب على صياغة مواد تستجيب لتطلعات جلالة الملك ولتطلعات المواطنين، من خلال إقرار تعديلات على 13 مادة من النظام الداخلي، تحدد المبادئ المؤطرة للممارسة البرلمانية والواجبات وضوابط السلوك المرتبطة بها، وتضع الآليات الكفيلة بإلزام النواب على التقيد بتلك المبادئ والضوابط داخل المجلس وخارجه.
ولضمان الالتزام الأمثل بمدونة الأخلاقيات، تم إدخال تعديل على المادة 68 من النظام الداخلي لمجلس النواب ينص على إحداث لجنة خاصة في مستهل كل فترة نيابية وفي منتصفها تتولى مهمة تتبع تطبيق مدونة الأخلاقيات البرلمانية، ينتدب لها أربعة أعضاء من المجلس، عضوان منهما ينتميان للمعارضة.
وتقوم لجنة الأخلاقيات بالتحقق من المخالفات التي قد يرتكبها أحد أعضاء المجلس والمحددة في المدونة وتحيط مكتب المجلس بها علما. وتقدم اللجنة الخاصة الاستشارة لمكتب المجلس ولكل عضو من أعضاء المجلس يرغب في ذلك، وترفع توصياتها بشأن كل وضعية معروضة عليها لمكتب المجلس الذي تعود له مهمة ضبط ومراقبة احترام مدونة الأخلاقيات، كما تعد تقريرا بأنشطتها كل سنة تشريعية على الأقل ترفعه لمكتب المجلس.