حقق المغرب تقدما في تصنيفه على مؤشر القوة الناعمة العالمي 2024، ليحتل المرتبة 50 بين الدول الأكثر تأثيرا في العالم، وكسبت المملكة 5 مراكز مقارنة بنسخة 2023 من هذا التصنيف الدولي الذي يصدره مكتب “براند فاينانس” البريطاني، ويخص الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددهم 193 دولة.
و حافظ المغرب هذه السنة على مكانته في صدارة الدول المغاربية وعلى منصة الدول الأكثر تأثيرا في إفريقيا، وفي تحليلها للبيانات المتعلقة بالمغرب، يسلط المكتب البريطاني الضوء على التطور “الملحوظ” لمؤشر “المستقبل المستدام”، الذي سجل قفزة بعشرة مراكز.
و تعزز أداء المغرب حسب “براند فاينانس” بفضل نتائجه في فئتي “الإعلام والاتصال” و”العلم والتعليم” اللتين شهدتا زيادة بثمانية وأربعة مراكز على التوالي، ويقيم المكتب البريطاني القوة الناعمة بموجب عدة مؤشرات؛ تشمل الأعمال والتجارة والحكامة والعلاقات الدولية والتراث الثقافي والاعلام والاتصال والتعليم والعلوم والقيم، وعلى المستوى الدولي، ظلت الولايات المتحدة الأمريكية في صدارة التصنيف، متقدمة على المملكة المتحدة والصين، ثم اليابان وألمانيا.
و تصدرت مصر قائمة الدول الأكثر تأثيرا في أفريقيا من حيث القوة الناعمة، وفقا للتقرير السنوي لمؤشر القوة الناعمة العالمي 2024 الصادر عن شركة براند فاينانس الاستشارية البريطانية، واحتلت مصر خلال التقرير المركز الـ39 في التصنيف العالمي، تتبع مصر في القارة جنوب أفريقيا في المرتبة 43، والمغرب في المرتبة الـ 50، بينما سجلت الجزائر الـ 73 عالميًا، وتونس حصلت على المرتبة الـ 77.
وتتصدر الولايات المتحدة تصنيف هذا العام وفي المركزين الثاني والثالث المملكة المتحدة والصين، تليها اليابان وألمانيا وفرنسا وكندا وسويسرا، وتحتل روسيا المركز السادس عشر، وفقًا لـ Brand Finance.
وكان المغرب حل في صدارة الدول المغاربية وفقا ل”مؤشر القوة الناعمة العالمي 2023″. الذي تصدره مؤسسة (براند فاينانس) الدولية، وذكرت وقتها وزارة الشباب والثقافة والتواصل أن المغرب “حقق تصنيفا متقدما جدا في قائمة الدول المؤثرة في العالم بقوة الثقافة والتراث حسب تصنيف مؤسسة (براند فينانس)، وأضاف أن المملكة “احتلت الرتبة الأولى مغاربيا وال36 عالميا في قائمة الدول. التي تؤثر بقوة الثقافة والتراث، حيث تقدمت ب16 درجة مقارنة مع السنة الماضية”، ويتم إنجاز هذا التصنيف بناء على أبحاث ميدانية ومقابلات يقوم بها مختصون من المؤسسة الدولية. التي تصدر مؤشر التأثير في العالم عبر القوة الناعمة، بناء على استطلاع رأي يشمل أزيد من 100 شخصية، ويتم ترتيب الدول في هذا التصنيف بناء على مجموعة من المؤشرات الفرعية التي تغطي سبعة مجالات هي الأعمال والتجارة، والحكامة، والعلاقات الدولية، والثقافة والتراث، والإعلام والاتصال، والتعليم والعلوم، والأشخاص، والقيم.
ويطمح المملكة المغربية لتأكيد مكانتها الإقليمية كقوة جيو-سياسية وجيو-استراتيجية في القارة الإفريقية، من خلال مجموعة من الجهود الرامية إلى تعزيز مواقفها على الساحة الإفريقية وتقوية أواصر التعاون والشراكة مع عدد من دول القارة السمراء، باستخدام أدوات القوة الناعمة لتحقيق هذه الأهداف على غرار الأدوات الاقتصادية والروحية والإنسانية والإعلامية، وغيرها من الأدوات.
و أشارت ورقة بحثية حديثة وردت ضمن العدد الأخير من “مجلة الدراسات الإفريقية وحوض النيل” تحت عنوان “القوة الناعمة المغربية في إفريقيا: تقييم واستشراف”، إلى أنه “عكس نهج الدول الغربية التي تتبنى سياسة متذبذبة تجاه الأفارقة، تعتمد الرباط في قوتها الناعمة على استراتيجيات دبلوماسية تقوم أساسا على التعاون فيما بين بلدان الجنوب في إطار سياسية رابح-رابح”.
فعلى المستوى السياسي، أثبتت الدبلوماسية الوقائية المغربية فعاليتها في تسوية عدد من النزاعات والبحث عن حلول سلمية ودائمة للأزمات السياسية التي تعرفها القارة الإفريقية، كما تشارك الرباط بشكل منتظم في جهود حفظ السلام في المنطقة برعاية أممية.
أما اقتصاديا، أشار المصدر عينه إلى إبرام المغرب آلاف الاتفاقيات مع عدد من الدول الإفريقية، كما قام في بداية الألفية الثانية بإلغاء ديون بعض منها، ثم انضم سنة 2001 إلى “تجمع دول الساحل والصحراء”، قبل أن تصبح المملكة واحدة من أكبر الدول المستثمرة في إفريقيا، إذ تستحوذ منطقة غرب إفريقيا لوحدها على 55 في المائة من مجموع الاستثمارات المغربية في القارة، كما تستثمر الرباط في عدد من القطاعات على غرار قطاع البنوك والاتصالات والعقار والصناعات الكيماوية.
وفي إطار الدبلوماسية الاقتصادية المغربية في القارة السمراء، أوردت الوثيقة عينها أن “المبادلات التجارية بين المغرب وإفريقيا تطورت بنسبة 9,5 في المائة في المتوسط خلال الفترة ما بين 2000 و2019، لتصل بحلول هذه السنة الأخيرة إلى قرابة 40 مليار درهم، ما يمثل حوالي 7 في المائة من القيمة الإجمالية للتجارة الخارجية للمملكة”.
كما سلط المصدر ذاته الضوء على التأثير الديني والروحي للمغرب في إفريقيا، ذلك أن مؤسسات الزوايا سمحت للمملكة المغربية بنشر تعاليم المذهب المالكي السني، لتعلب دورا مهما في محاربة التطرف الديني في إطار التأطير الروحي والاجتماعي لمواطني القارة من المسلمين، أضف إلى ذلك الدور المهم لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في تدريب الأئمة.
وعلى مستوى الهجرة، عمل المغرب على بناء سياسية فعالة في هذا الإطار، توج على إثرها الملك محمد السادس قائدا للاتحاد الإفريقي في قضية الهجرة، كما تم تأسيس المرصد الإفريقي للهجرة بالرباط في العام 2020. بالتوازي مع ذلك، أجرى المغرب إصلاحات مؤسساتية عديدة في اتجاه تمكين المهاجرين الأفارقة من مجموعة من الحقوق، إذ أسفرت أول حملة لتسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين عن تسوية وضع أكثر من 23 ألفا منهم في العام 2014، ثم 20 ألفا آخرين في العام 2017، كما تم تسجيل أكثر من 4200 لاجئ على الأراضي المغربية منذ العام 2016، معظمهم ينحدرون من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
ثقافيا، وفي إطار ترسيخ القوة الناعمة المغربية وتعزيز جاذبية النموذج المغربي على المستوى الثقافي والعلمي، يحتضن المغرب آلاف الطلاب الأجانب الذين يتابعون دراساتهم في الجامعات والمعاهد المغربية، أكثر من 72 في المائة منهم ينحدرون من حوالي أربعين دولة إفريقية، كما تم إنشاء “معهد الدراسات الإفريقية” المتخصص في الدراسات والأبحاث المتعلقة بالقارة، إضافة إلى انضمام المملكة لعدد من المنظمات العلمية والتكنولوجية ذات الطابع القاري.
وفي الشق الإعلامي، تمول المملكة “الاتحاد الأطلسي لوكالات الأنباء الإفريقية”، التي تأسست في العام 2014، وكذلك المركز الإفريقي لتدريب الصحافيين، كما عملت المجموعات الإعلامية المغربية في السنوات الأخيرة على تأسيس فروع لها في الخارج، في إطار تعزيز دور الإعلام كواحد من أهم أدوات القوة الناعمة في العصر الحديث.
وخلص المصدر سالف الذكر إلى أن “المغرب يمكن أن يعزز وجوده في القارة الإفريقية، خاصة أنه ما زالت هناك مجموعة من الفرص التي يجب استكشافها من أجل تعزيز القوة الناعمة للرباط في هذه القارة، كما أن الآمال كبيرة في هذا الصدد، خاصة مع اتجاه الدول الإفريقية نحو إنشاء منطقة إفريقية للتبادل الحر”، موضحا أنه “رغم ذلك، ما تزال هناك عدد من العقبات أمام تطوير العلاقات المغربية الإفريقية، على رأسها التوتر مع الجزائر والأوضاع الراهنة في كل من السودان وليبيا، إضافة إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا التي تضع مقومات القوة الناعمة للرباط أمام تحديات كبيرة”.