أحمد درداري
ان القضية الفلسطينية بالنسبة لجامعة الدول العربية تعرف تضاربا في المواقف وتباينا في التعاطي مع القضية الفلسطينية وهناك اصطفاف مبني على معايير ذاتية وموضوعية ومصالح سياسية ودينية يستعصي معها اتخاذ مواقف موحدة. فالاختلاف الديني المذهبي يبين أنه هناك مذهب ديني جهادي شيعي عسكري واضح الرؤيا والمعالم التي تحدد شروط وجود الانسان المسلم فوق الارض، ويتفاوض على اساس انهاء الاحتلال تماما من المنطقة، وهو ما يتضح من خلال تصريحات الزعماء هذا المذهب حيث يظهر عليها بلغة الدين والتوحيد بمنطلق النصالقرآني مثل خطاب زعيم حزب الله في لبنان الموالي لايران.
وهناك المذهب الديني السني وينقسم إلى نصفين نصف يميل الى نفس التوجه الذي يعتمده المذهب الشيعي ولكنه أقل حدة منه بحيث أنه يتجه نحو خلق ميلشيات مسلحة ويؤمن بالجهاد كحماس والجهاد الاسلامي والقسام … والجزء الثاني والأكثر اعتدالا ووسطية ويؤمن بالحوار والسلام والتسوية السلمية حفاظا على الانسان وحقنا للدماء والاعتماد على المفاوضات والقانون الدولي والديبلوماسية في معالجة الأزمات وإعادة الحقوق الى أصحابها وهذه هي مواقف أغلب الدول والحكومات التي تعتمد على المصالح والتي من بينها البقاء في الحكم.
والقضية الفلسطينية من الناحية السياسية عرفت أيضا انقسامات بين التعاطي الشيوعي للقضية وهو ما تعارض مع التعاطي الليبرالي مما فرض على الفلسطينيين اتباع التمثيلية السياسية للترافع عن القضية الفليسطينية وهو ما سبب انقساما داخليا بسبب فشل الديمقراطية ووجه حركات فلسطينية نحو الاسلام السياسي في مولجهة الاحتلال وانعكس أيضا على المستوى العربي والدولي .
والأكثر من ذلك هو أن الانتخابات الفليسطينية يطغى عليها التوجه السياسي الديني الممزوج بالمقاومة وهو ما أثر على توجهات الناخبين فتم ابعاد حركة حماس عن السلطة وتعمق الخلاف الداخلي، وان كانت المواجهات الاخيرة أظهرت نوعا من الوحدة على مستوى الخطاب.
فالصواريخ التي تمتلكها الفصائل المسلحة استطاعت أن تصل إلى تل أبيب والقبة الحديدية لم تحمي الإسرائليين من الاصابات بالصواريخ الفلسطينية، وإسرائيل بحدودها الجغرافية لم تعد بعيدة عن المرمى، بالاضافة الى أنها محاطة بدول مجاورة وتحكمها علاقات متوترة، وعليه فإن امكانية التفاوضحول حل سلمي دائم ممكن مالم ينفذ وقت العودة الى الوراء وتتطور المواجهات أكثر وترتكب كارثة في حق الفلسطنيين ويقود الوضع الى تدويل الجهاد والمقاومة عبركل الجبهات المحيطة بأسرائيل وتحل الكارثة بالاسرائيليين أيضا.
إن نقل المواجهة بين الفلسطنيين المدنيين مع المدنيين الإسرائيليين قد يزيد في اضطراب الوضع أكثر في مدينة القدس خصوصا وخارجها وأن الاعتماد على القيادة الفلسطينية لم يعد كافيا لتحقيق الإستقلال والحرية وانتزاع دولة مستقلة وعاصمة القدس.
كما أن المجتمع الدولي والأمم المتحدة منحازين إلى إسرائيل بحكم أن الولايات المتحدة هي الدولة الأقوى عالميا،اضافة الى أنها المتحكمة في مخرجات الأمم المتحدة . و معلوم أن إسرائيل تربطها صداقات قوية ومصالح إستراتيجية بعيدة المدى مع الدول الغربية التي لا يمكنها التخلي عنها،وتبقى المقاومة هي الوسيلة التي يمكنها أن تضغط على العالم العربي بحكم أن المجازفة بحياة الإسرائيليين واليهود وعبر العالم غير مجدية.
القضية الفلسطينية والتباين في المواقف ومنهجية التعاطي :
بالنسبة للمملكة المغربيةوباعتبارأن جلالة الملك رئيس لجنة القدس تعتبر القضية الفلسطينية والوحدة الترابية من القضايا الأولى على مستوى السياسة الخاريجية للبلاد، وكل المجهودات التي يبذلها المغرب والخطوات الثابتة التي يسجل من خلالها مواقفه أمام أنظار المجتمع الدولي ويجسد من خلالها أن المغرب له موقف ثابث وداعم للقضية الفلسطينية يتأسس على حل الدولتين المتوافق عليها دوليا منذ 1947، والتى بدأت شروطها تتغير منذ النكبة 1948، أو على الأقل حدود 1967. كما أنه متشبت بالمفاوضات بين الطرفين للحد من الحروب والمواجهات وإنهاء الصراع .
وبإعتبار الملك رئيس لجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي ، فانه لا يدخر جهدا لصيانة هوية التاريخية و العريقة لمدينة القدس، كأرض التعايش بين الأديان السماوية وحماية الطابع الإسلامي للمدينة وحرمة المسجد الأقصى ، وعليه فان المملكة المغربية تضع القضية الفلسطينية وقضية الوحدة الترابية في المرتبة الأولى للسياسة الخاريجية للمغرب. كما أن موضوع السلام هو الأهم سواء تحقق بالحرب أو بالسلام، حيث أن خيار السلام هو الأهم لأنه يحول دون إراقة للدماء وإلحاق الخسائر الكثيرة بالمجتمعين الاسرائيلي والفلسطيني وبالمقدسات، وعليه فإن تحسين هياكل وكالة بين القدس لمواصلة برامج اجتماعية صحية تعليمية وسكنية والنهوض بالمجالات الاجتماعية وبضعية سكان مدينة القدس مسألة ذات أولوية بالنسبة للمغرب.
بشاعة الأعتداءات الإسرائليين على الفلسطينيين -والدعم المغربي الدائم للفلسطنيين سياسيا ومدنيا :
بكل قسوة فان الإحتلال الإسرائيلي عرض الفلسطنيين منذ 1948 إلى اليوم إعتداءات وجرائم حرب على يد الحركات الصهيونية وخصوصا اليمين والجيش الاسرائيلي من خلال القيام بأعمالة وحشية في حق الفلسطينيين، ولا يعرفون غير منطق الحرب والإبادة والتهجير والإعتداءات دون رحمة للفلسطنيين وفي غياب توازن في القوة . بل وحتى طروحات السلام لا قيمة لها في نظرالصهاينة نظرا لاستمرار الاستفزازات، ورغم الصغوطات الدولية يبقى الاستقرار شيئا صعب المنال،خصوخا وأن التوزنات الدولية غير مستقرة،نظرا لغياب التعاطي الموضوعي للقضية الفلسطينية وباقي والملفات الدولية وطغيان المصالح على حساب القيم الكونية.وضعف الأنظمة العربية وتبعيتها للغرب يبين أن الأصل في الصراع هو الدين والتاريخ وان حاول الغرب إعطائه بعدا سياسيا، وعليه فالقضية الفلسطينية من أعقد القضايا التي تمتد تاريخيا إلى الصراع بين الاقوام وأنبياء بفلسطين ومنذ زمان اتخذت القضية صراعا سياسيا الى أن بدأ القرن العشرين بوعد بلفور 1917 وبداية الإنتداب 1922 .
فمرور حوالي قرن على المشكل الفلسطيين يتطلب اليوم الوقوف على الوضع وتدارك التغيير وإعادة ترتيب الحقوق وفق مقاربة يتفاوض حولها الأطراف إذا كان من السلام عمر باقومدة حياة بشرية ممكنة. ذلك أن الإعتداءات على الفلسطنيين هي مسؤولية رباعية أمريكية وأروبية وروسية وأممية، وتواجهها قوى التي تسعى الى تطوير صناعتها العسكرية
آخر صور الاعتداءات الإيسرائيلية ورودود الفلسطنيين في الضفة وقطاع غزة
الموجهات الاخيرة وبالنظر إلى ما يجري من تصعيد بسبب تدنيس المسجد الأقصى ومحاولة تهجير الفلسطنيين (بحي الشيخ جراح) بالقدس الشرقية، يبدو أن الإتحاد الأروبي شدد على خفض التصعيد ومحاسبة من استعمل العنف، كما رفض قرار السلطات الإسرائيلية القاضي بإجلاء العائلات الفلسطينية أو التأجيج والموجهات على الأرض، أما الدول العربية فتكتفي بالإدانات والدعوة إلى اجتماع مندوني الجامعة العربية لمناقسة التطورات لكن تبدو الثقة مفقودة في القيادات السياسية والإكتفاء بالتنديد والشجب خفاظا على ماء الوجه بدلا من الوقوف على حقيقة المشكلة والضغط لفرض سلام دائم والقاضي بحل الدولتين والحفاظ على الطابع الخاص للمقدسات. وإن العدوان والمواجهات الحالية أبانت عن الإختلاف في الوسائل والنتائج مقارنة بما جرى في أنواع العدوان من قبل . حيث تم استهداف البنية التحتية المهمة داخل قطاع غزة لشل قدرات المقاومة خصوصا عند استهداف البنية التحتية المدنية والعمارات الكبرى وإلحاق الضرر بما يتناسب مع ثمن الصاروخ واستهداف مباني الأبراج وأماكن تواجد الإعلاميين والمؤسسات الصحفية لطمس المواكبة الإعلامية للجرائم المرتكبة .
والمقاومة الفلسطينية هي صنيعة إسرائيل، وأن قوتها من ورائها بشاعة الأعمال الاجرامية في حق الفلسطنيين، فإسرائيل تصنع أعداءها الأبديين ، وتدفع المقاومة نحو المزيد من التسلح ، ذلك أن الفلسطنيين في الخارج وممثلي الفصائل المسلحة يبحثون عن من يمكنهم من السلاح لرد الخطر وفي ذالك خطر متوازن، كما أن المقاومة اليوم توجد في العالم الإسلامي من منطلق ديني وتوجد في شعوب العالم العربي من منطلق سياسي ورفض السلام لا يقابله إلا الاستعداد للحرب.
فمنذ النكبة 1948 التي التزمت إسرائيل بأخذ 47% من أراضي الفلسطينية بدلا من 57.4% التي خصصت لها في مشروع العدوان الثلاثي 1956، وحرب النكسة 1967 العدوان الثلاثي وتدخل الإتحاد السوفياتي وحرب الأيام الستة وحرب أكتوبر 1973 الحرب العربية لاسترجاع الأراضي، وبعدها وقعت اتفاقية كامب دايفيد 1978 بين مصر وإسرائيل القاضية بالاعتراف مقابل الانسحاب من صحراء سيناء وانتفاضة 1982 حيث ارتكبت المجازر في حق الفلسطنيين، وانتفاضة والمقاومة الفلسطينية 1987، وانتفاضة الاقصى 2000 …الخ، ورغم مفاوضات السلام وعقد اتفاقيات .اوسلو 1993 واسلو 1995 إلا أن الإحتلال الإسرائيلي واليمين الصهيوني يواجه أية تسوية سليمة بالرفض وأن الامر يتطور نحو الاسوأ لاسيما في ظل غياب ارادة حقيقية لاحلال السلام وفصل الدولتين.