تشهد العلاقات الفرنسية الجزائرية فصلاً جديداً من التوتر الدبلوماسي، بعد إعلان الجزائر طرد موظفين رسميين جدد يعملون في سفارة فرنسا بالجزائر، ما أثار ردود فعل غاضبة من باريس، التي توعّدت برد “فوري وحازم ومتناسب”، واعتبرت القرار “غير مفهوم ولا يصب في مصلحة الطرفين”.
وقال وزير الخارجية الفرنسي، جون نويل بارو، في تصريح صحفي من غرب فرنسا، إن “مغادرة عناصر في مهام مؤقتة، كما قررت الجزائر، أمر غير مبرر ولا يستند إلى أسس دبلوماسية سليمة”، مشددًا على أن بلاده “ترفض هذا السلوك” وستتعامل معه بما يقتضيه الموقف.
وجاء رد باريس بعدما استدعت وزارة الخارجية الجزائرية القائم بأعمال السفارة الفرنسية في العاصمة الجزائر، وأبلغته قرارها بترحيل موظفين دبلوماسيين، تم تعيينهم وفق ما وصفته بـ”إجراءات مخالفة للأعراف المتبعة”. ولم توضح الجزائر طبيعة هذه المخالفات، غير أن مصادر إعلامية جزائرية تحدثت عن تجاوزات تتعلق بعدم احترام التنسيق المسبق في تعيين وإيفاد بعض الموظفين.
كما كشفت المصادر ذاتها أن السلطات الجزائرية منعت، يوم السبت الماضي، عنصرين من جهاز الاستخبارات الداخلية الفرنسية (DGSI) يحملان جوازي سفر دبلوماسيين من دخول البلاد عبر مطار هواري بومدين، بعدما لم تُبلَّغ الجزائر رسميًا بوصولهما من قبل وزارة الداخلية الفرنسية، في خطوة اعتبرتها خرقًا للأعراف والاتفاقيات الثنائية.
ويرى مراقبون أن هذا التصعيد ليس معزولًا عن سلسلة من التوترات المتراكمة بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، منها الخلافات حول ملف الذاكرة الاستعمارية، وتشديد التأشيرات الفرنسية على الجزائريين، وتباين المواقف بشأن الأوضاع في منطقة الساحل.
ورغم محاولات سابقة لإعادة الدفء للعلاقات عبر زيارات رسمية رفيعة المستوى، إلا أن الاحتقان ظل حاضراً، ويبدو أن التطورات الأخيرة ستزيد من تعقيد العلاقات الثنائية، خاصة إذا ما قررت فرنسا اتخاذ إجراءات دبلوماسية مقابلة قد تشمل تقليص طاقم سفارتها أو مراجعة مستوى التعاون الأمني.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه الجزائر على “سيادتها” وحقها في تنظيم العلاقات الدبلوماسية على أراضيها، ترى باريس أن هذه القرارات “العدائية” تعرقل المساعي المشتركة لبناء شراكة استراتيجية مستقرة، خصوصًا في ظل الملفات الأمنية الحساسة التي يتقاطع فيها البلدين.
ومع غياب السفير الجزائري في باريس، الذي استدعته بلاده للتشاور منذ أيام، تزداد مؤشرات القطيعة المؤقتة بين العاصمتين، وسط تساؤلات حول ما إذا كان هذا التصعيد سيفضي إلى مراجعة شاملة لطبيعة العلاقة الفرنسية الجزائرية، أم أنه مجرد أزمة عابرة ضمن دورة العلاقات المتأرجحة بين البلدين.