أحرج نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم و الاشتراكية، عزيز أخنوش رئيس الحكومة خلال حضوره مؤتمر حزب الكتاب قائلا ، أن الانتخاباتِ العامة في شتنبر، عرفت ممارساتٍ غير سليمة وفاسدة، مُعتَمِدةً على المال من قِبَلِ عددٍ من المُساهمين فيها، يَفرض علينا جميعاً، التساؤل، ليس بمنطقٍ حزبي أو من منطلقٍ حسابي، ولكن بمنطقٍ وطنـــي ومواطناتي، ومِنْ مُنطلَقِ المسؤولية، حول مكانة المؤسسات المنتخبة وأدوارها الفعلية، وحول طبيعة العديد من المنتخبات والمنتخبيـــن الذين أفرزتهم عمليات الاقتراع، كما أنَّ ذلك يطرح بحدة، في المستقبل، ضرورةَ توفير الشروط السياسية والصيغ القانونية اللازمة للارتقاء بالعملية الانتخابية، شكلاً ومضموناً، وحِمَايَـــةَ مصداقيةِ الفضاء المؤسساتي والسياسي من هيمنة عالَم المال المرتبط بأوساط الفساد والريع، وضمانَ مُـــشاركةِ وحضور أجود وأنـــزه الطاقات البشرية في المؤسسات.
وشدد بنعبد الله، على استخلاص العِبَــر، وأن نذهب في تحضير أجواء مختلفة بالنسبة للانتخاباتِ المقبلة، معارضةً وأغلبية، بما يُصالِح الناس مع الشأن العام، وبما يُــــعطي القيمة للفاعل الحزبي وللفعل السياسي، وبما يُفَعِّلُ الدستور نصًّا وروحاً، ويُــــفرِزُ برلماناً للكفاءات فعلاً، وحكومةً للكفاءات فعلاً، ومجالسَ منتخبة للكفاءات فعلاً. كفاءاتٍ سياسية قادرةٍ على إنتاج الحلول، وعلى تفسير الصعوبات والقرارات للرأي العام. وهذه من المقومات الـــمـــُـــــفتَقَدَة التي تُـــواجِـــهُـــهَـــا الحكومةُ الحاليةُ يوميا. وفي ذلك هدرٌ لزمن الإصلاح.
وجديرٌ بالتوضيح أنَّ حزبَ التقدم والاشتراكية ليس حِــــزبَ ادِّعَـــاءٍ بحَسَبِ المواقع، وإنما يسعى دوماً إلى أن تتميز مواقفُهُ بالموضوعية وفتح الآفاق. لذلك، سواءٌ حينما كنا مُساهمين في حكوماتٍ تَـــــفَـــاوَتَــــتْ درجاتُ نَفَسِها الإصلاحي، وسواءٌ ونحن في المعارضة، فخطابنا هو هو، ومواقفنا هي هي. ونحنُ مدركون تماماً لكوننا جُـــزءً من مسار بلادنا، بنجاحاته ومكتسباته، وبإخفاقاته ونقائصه. وحَــسْـــــبُــــــــنَــا أنَّـــنا لا نكُفُّ عن الصَّدْحِ بما نراهُ صواباً ومصلحةً لوطننا ولشعبنا، كيفما كانتِ الظروفُ وأينما كان موقعُـــنا المؤسساتي.
نعم، بالتأكيد، نحن اليوم، أمام صعوباتٍ استثنائية ومُرَكَّبة، تظافر فيها عاملُ التقلبات الدولية مع تداعيات الإغلاق الطويل من جراء الجائحة، وانضاف إلى ذلك الجفافُ الحاد.
لا نُنكر ذلك، ولا نتجاهله أبداً، بل نستحضره في كل لحظة، مُـــــتَـــمَـــنِّــــيـــنَ للحكومة الحالية، التي لم نرغب في المشاركة فيها ولم يُـــعرَضْ علينا ذلك، النجاحَ في تجاوز الوضع. فنجاحُـــكم هو نجاحٌ لبلادنا؛ السيد رئيس الحكومة المحترم.
وحتى عندما ننتقد، في إطار أدوارنا الدستورية، فإننا نَــفعل ذلك بالموازاة مع الاقتراح البناء. فليس من شِيم التقدم والاشتراكية المُزايدة. وليس هناك جدوى ولا منفعة، إذا لم يُــــــــــقْــــــــــــــــرَنْ تشخيصُ الأوضاعِ بفتح باب الأمل والتفاؤل والطموح.
على هذا الأساس، قُلنا، وسنقول للحكومة، التي مَــــــرَّ على تشكيلها أزيدُ من سنة: ليس أمامكِ سوى مواجهة الأزمة، وليس تبريرها، وليس أمامكِ سوى تَـــحَمُّـــــلُ أعباء الظرفية الصعبة، وليس أمامكِ سوى إبراز القدرة على ابتكار الحلول وإجراء الإصلاحات الضرورية. فالأزمات، عبر التاريخ، شَكَّــــــلَـــت فرصةً للتطوير والتقدم، بشرط حُسنِ التعاطي معها والتقاطِ عناصرها الإيجابية.
فغلاءُ الأسعار، الذي يكتوي بنيرانه المستضعفون والفئاتُ الوسطى، لا يمكن أن تتركوه هكذا، من دون إجراءاتٍ قوية، حتى يأتيَ على الأخضر واليابس. كما أنَّ الأمنَ الغذائي والطاقي والصحي لا يُمْــــكِـــنُ لكم تأجيل معالجته في انتظار انتهاء الأزمة الحالية التي قد لا تنتهي، أو قد تتلوها أزماتٌ أخرى أكثر قسوة.
إننا أمام حكومةٍ رفعت شعار “الدولة الاجتماعية” وأعلنت “وثيقةَ النموذج التنموي الجديد” مرجعاً لها. ولا يَــسَـــعُـــنَا سوى أن نحترم هذه الاختيارات والنوايا المُعلنة.
لكن سنة مرت، ولا جديد تحت الشمس، غير تدابير عادية في زمنٍ استثنائي بكل المقاييس. تدابير لا ترقى إلى حماية القدرة الشرائية للمغاربة الذين يئنون تحت وطأة الغلاء. كما لا ترقى إلى الرُّقِـــــيِّ بالنسيج الاقتصادي الوطني وتحصينه ضد الصدمات. كما لا نزالُ في انتظار تفسير وإقناع الحكومةِ للناس بالخطوات التي قامت بها أو لم تقم بها.
لا نقول هذا الكلام تحامُلاً. بل نقوله لأننا متشبعون به اقتناعاً. ولأن صبر الأسر المغربية بدأ يَــــنْــــفَـــذ. ولأن بلداناً أخرى تدخلت حكوماتُها من أجل خفض الأسعار، وحمايةِ الأسواق الداخلية من المضاربات، واستعمال الأداة الضريبية، وتفعيل التضامن الوطني، وإنعاش الاقتصاد، وتحصين الأمن الطاقي، وحماية القدرة الشرائية لمواطنيها، وتقديم الدعم لهم بأشكال مختلفة، مُـــباشِرة أو غير مُباشِرة. وهنا لا نتحدث عن بلدان اشتراكية، ولا حتى قريبة من الاشتراكية، بل عن بلدانَ غارقةٍ في الرأسمالية من رأسها إلى أخْــمَصِ القدمين.
فلماذا نحن لم تَـــــــقُــــمْ حكومتُنا بأيِّ خُــــطوةٍ جريئة على هذا المستوى؟ ألم يَــــكُـــنِ الأجدرُ توظيفُ العائدات الإضافية في إجراءاتٍ متناسقةٍ وقوية وذاتِ أثر إيجابي وملموس: جزءٌ لدعم المقاصة، وجزءٌ لتمويل الورش الاجتماعي، وجزءٌ لتقديم دعمٍ مباشر للأسر الفقيرة والمعدومة الدخل؟ (إيوا شوية لربي وشوية لعبدو).
نعلمُ أنَّ الحكومة تتحجج بأنَّ الميزانية ستتأثر سلباً، بل قد يتم إغراقُها، بنفقاتٍ إضافية في ظل مواردَ غيـــــرِ كافية. ولن نُجيبَ هنا بكون الحكومة كان لها الحظُّ في تَحَسُّن أداء قطاعاتٍ بعينها، كالمداخيل الضريبية، وعائدات مغاربة العالم، والقطاع السياحي الذي يتعافى، فضلاً عن تحسن الأداء المرتبط بالفوسفاط. ولكننا سنُجيبُ الحكومة بأنَّ لديها مصدراً أكيداً لتمويل كل البرامج الاجتماعية، بما فيها ورشُ الحماية الاجتماعية، وإصلاحُ الصحة والتعليم، ودعمُ الأسر ماديا. وليس على الحكومة سوى أن تتملك الجرأة السياسية للتوجه رأساً إلى حيثُ يوجد المال: أولاً الشركات الكبرى التي تُراكِمُ أرباحًا مَــــــــــهُــــــــولَـــــة من وراء الأزمة وبسببها، ومنها شركاتُ المحروقات والاتصالات وغيرها. على الحكومة أن تطرق هذا الباب، فالمساهمةُ الوازنةُ في التضامن الوطني هذا هو وقتها. والاستقرارُ له ثمنٌ على الجميع أن يتقاسم كلفته.
وثانيا، على الحكومة أن تُباشر الإصلاح الضريبي، وخصوصا عليها إيجاد السبيل لتغيير وِجهة الــــملايـــــيـــــــــــر من خزائن المتملصين والمتهربين من الضريبة نحو خزينة الدولة. وهذا لا يُكلف سوى الإرادة السياسية.
نرجو أن يكون صدرُ الحكومة متَّسِعاً لملاحظاتنا. فهذه حكومةٌ تتشكل من ثلاثة أحزابٍ تعرفُ جيداً كم نُقَدِّرُها على المستوى العام، وحتى على مستوى العلاقات الشخصية، وكم نحن صادقون في تعبيرنا عن أملنا في نجاحها.
لكن لا يمكننا أن نَــــــكْـــــتُـــــمَ استياءنا من أدائِـــــها الــمُـــــخَــــــيِّـــــــبِ للآمال، ولا يمكننا أيضاً أن نُــــخــــفــــــيَ حيرتنا من غياب الخطاب السياسي والديموقراطي والحقوقي والمساواتي، ومن تَـــــوَارِي خطاب إصلاح الفضاء السياسي، على الرغم من أنَّ معظم هذه الإصلاحات لا تتطلبُ ميزانياتٍ ولا نفقات، بقدرِ ما تتطلب الإرادة والجرأة السياسيتين
على أهمية ما أتينا على ذكره من مقترحاتٍ لمعالجة الأزمة من خلال المجهود المالي، إلاَّ أنَّ حزبَ التقدم والاشتراكية مُدرِكٌ تماماً أنَّ بلدنا ليست كلُّ إشكالياته ذاتَ طابعٍ ميزانياتي ومالي فقط.
إنَّ الوضع، بالأحرى، يقتضي بديلاً ديموقراطيا تقدميا متكاملاً، تتوازى وتتكاملُ فيه الإصلاحاتُ الاقتصاديةُ والاجتماعيةُ والسياسية، بشكلٍ خلاَّق، مع الارتكاز على المكتسباتِ في جميع هذه المستويات.