اتهم نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية الحكومة بإفشال ونسفِ مبادرة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول دعم استيراد المواشي، عبر دفع أغلبيتها في البرلمان إلى تقديم طلبِ تشكيل مهمة استطلاعية حول نفس الموضوع.
وتوقف بنعبد الله عند الفوارق الشاسعة جداًّ، على كل المستويات، بما فيها مستوى الأثر القانوني، ما بين لجنة تقصي الحقائق ذات الحمولة الدستورية القوية، والتي يُعتبرُ مُثولُ أيِّ شخصٍ أمامها إلزاميًّا، والاستماعُ إليه يكون تحت أداء اليمين، مع إمكانية إحالة تقريرها على القضاء، من جهة، وما بين المهمة الاستطلاعية التي لا يتجاوز دورُها الطابعَ الإخباري وإصدار توصياتٍ غير ملزمة لأحد، من جهة ثانية.
وقال بنعبد الله “لا المعارضةُ الوطنية، ولا الرأيُ العام الوطني، يمكنُ أن تنطلي عليهما هذه الحيلةُ المفضوحة، أو الخديعة الماكِرة، التي لجأت إليها الحكومةُ للالتفاف والتملُّصِ من واجبِ ومَطلَبِ مُثول كلِّ معني بالأمر أمام لجنةٍ لتقصي الحقائق، تنويراً للرأي العام، وتجسيداً لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وحفظاً للمال العام، وترسيخاً لقيمة البرلمان واختصاصاته”.
وأضاف “بالدارجة المغربية “للي ما ف كرشو عجينة ما عندو علاش يخاف”. بمعنى أن الحكومة إذا كانت فعلاً متأكدةً من أن دعمها لمستوردي المواشي لا يشوبُــهُ أيُّ اختلال، فلماذا تتهربُ من لجنة تقصي الحقائق!؟ إنَّ اللجنة مثل اسمها تماماً، لا تهدف سوى إلى الحقيقة. فلماذا تخاف الحكومةُ من الحقيقة!؟ إنه فعلاً أمرٌ يزيدُ من الرِّيــبَــةِ والشك…، ومن الشُّبُـــــــهات، في هذه القضية التي تشغل بال الرأي العام وتُزعِجُ الحكومة، بشكلٍ جليّ، وتضعها أمام مِحَكٍ حقيقي وتمرينٍ فعلي، في مواجهة ذكاء المغاربة وتطلعهم نحو الشفافية والعدالة والديموقراطية”.
واعتبر الأمين العام للتقدم والاشتراكية أن مبادرة المعارضة وضعت الحكومة في مأزق سياسي وأخلاقي وقانوني كبير، أمام الرأي العام الوطني، بسبب واقعة ملايير الدراهم التي أهْـــــدَرَتْـــــــهَا، ولا تزال، من المال العام، بدون أيِّ أثر إيجابي على المواطنين، من خلال الدعم المباشر والإعفاءات الضريبية والجُمركية التي قَــدَّمَــتْـــهَا، ولا تزال، إلى مستوردي الماشية، على طبقٍ من ذهب.
وأبرز المتحدث أن مبادرة لجنة التقصي جاءت بالنظر إلى خطورة القضية، وإلى التصريحات والوثائق المتضاربة لأطرافٍ حكومية مختلفة بهذا الشأن، ومن أجل كشف ملابسات كل ذلك للمغاربة، وكان الأمل أن تتعامل معها مكوناتُ الأغلبية بروحٍ إيجابية وبنَّــــاءة، طالما أن الهدف هو الوصولُ إلى الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، في إطارٍ دستوريٍّ ومؤسساتيٍّ شفاف وموضوعي، لكن الحكومة واجهت المبادرة بالمكر.
و اعتبر محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام أن هذا الملف ينبغي ألا يضيع وسط صراع سياسي، مؤكدا على ضرورة فتح بحث قضائي بهدف محاسبة المتورطين في تبديد أزيد من 13 مليار درهم، وإرجاع الأموال المنهوبة للخزينة العامة.
وقال الغلوسي إن ما يهم المغاربة في هذه القضية ليس هو توظيف الملف لأهداف سياسية تسفهه، وتفرغ المطالب الرامية إلى المحاسبة من مضمونها، بل ما يهمهم في كل ذلك هو أن تقوم الجهات المناط بها مهام الرقابة على المال العام بمهامها.
و دعا رئيس جمعية حماية المال العام المجلس الأعلى للحسابات إلى إجراء افتحاص كامل للدعم الممنوح لمستوردي الأبقار والأغنام، مع نشر تلك التقارير وترتيب الجزاءات المناسبة قانونا. فالمستوردون تم إعفاؤهم من الضريبة على القيمة المضافة ومن رسوم الاستيراد فضلا عن تلقيهم لدعم مادي من طرف الحكومة، ورغم ذلك فإن أسعار اللحوم لامست السماء واكتوى الناس بلهيب الأسعار.
وأضاف المتحدث أن كشف الحقيقة في هذا الملف وإماطة اللثام عن كل جوانبه يقتضي من النيابة العامة فتح بحث قضائي شامل ومعمق، في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة، وخضوع صرف المال العام للقانون حول المزاعم المتعلقة بوجود شبهات فساد وتبديد واختلاس المال العام وإسناد البحث إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.
وأكد الغلوسي أن إسناد البحث للسلطة القضائية يشكل ضمانة لعدم تسييس هذا الملف وتحقيق الحياد وتفويت الفرصة على جهات تسعى إلى إفلات بعض المشتبه تورطهم في هدر وتبديد المال العام من المساءلة والعقاب، خاصة باستحضار ان نوابا للأمة يشتبه ضلوعهم في شبهات تبديد واختلاس المال العام.
واعتبر الغلوسي أن أهمية التدخل القضائي، تنبع أيضا من كون العديد من المهام الاستطلاعية التي أنجزها البرلمان، لم تكن نتائجها محل مساءلة، ولم يحاسب فيها أحد، كما هو حال المهمة الاستطلاعية حول المحروقات، التي رصدت جني الشركات لأرباح خيالية وصفت بغير الاخلاقية وصلت إلى مبلغ 17 مليار.
و في أول تفاعل رسمي للحكومة حول الجدل الذي يعرفه البرلمان، حول تشكيل لجنة لتقصي الحقائق أو مهمة استطلاعية، حول دعم استيراد الماشية، أكد مصطفى بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة أن اختيار الآليات الرقابية يبقى من اختصاص البرلمانيين.
وفي الوقت الذي جرى فيه اتهام الحكومة بدفع أغلبيتها في مجلس النواب إلى نسف مبادرة المعارضة لتشكيل لجنة للتقصي، عبر طلب تشكيل مهمة استطلاعية، دفع بايتاس هذه التهمة، بإشارته إلى أن الحكومة وفي إطار العلاقات التي تجمعها بالبرلمان، تسهر على أن تكون هذه العلاقات، وكما قررت ذلك المحكمة الدستورية، مبنية على التوازن والتعاون.
وتوقف بايتاس على كون المشرع الدستوري خص مجلسي النواب والمستشارين بآليات رقابية مهمة ومختلفة ومتعددة، ويبقى التقدير السياسي لترجيح آلية رقابية دون أخرى، من الاختصاصات الحصرية للبرلمان، فهذا الاختيار في يد النواب والمستشارين، في إطار التزاماتهم داخل الأغلبية أو المعارضة.
ورفض الناطق باسم الحكومة ترجيح هذه الأخيرة لآلية دون أخرى، مشددا على أنه يبقى لكل فريق حسب انتمائه للأغلبية أو المعارضة، وفي إطار التزاماته، اختيار هذه الآليات الرقابية أو تلك.