أكدت آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن دول الجنوب تقدم نماذج ملموسة وممارسات حقوقية متقدمة تعكس تجسيداً عملياً لمبدأ كونية الحقوق، رغم التحديات التي تواجهها. وأشارت إلى أن هذه النماذج تُسهم في إعادة تأكيد شمولية القيم الإنسانية، لا سيما في ظل تراجع ملحوظ للمنظومة الحقوقية على المستوى الدولي.
جاء ذلك خلال لقاء فكري احتضنه رواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، يوم الخميس، تحت عنوان «كونية حقوق الإنسان: فعلية تحققت أم مسار غير مكتمل؟». وتم خلال اللقاء تقديم مؤلف جماعي يوثق أبرز خلاصات مناظرة دولية نُظمت بمناسبة الذكرى الـ75 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي كانت قد تميزت برسالة ملكية سامية كرّست مركزية النقاش الحقوقي في الرؤية المغربية.
وفي كلمتها، شددت بوعياش على أن كونية الحقوق ليست مفهوماً نظرياً، بل ثمرة توافق إنساني عابر للثقافات، يستند إلى التزام أخلاقي يتجاوز التقلبات السياسية. وقالت: «النقاش حول الكونية لم يعد خياراً، بل ضرورة ملحة أمام التراجعات المقلقة التي تعرفها المنظومة الحقوقية عالمياً».
وأبرزت بوعياش عدداً من التحديات التي تواجه حقوق الإنسان في السياق الدولي، منها تراجع التمويل المخصص للآليات الأممية، وتصاعد الخطابات الشعبوية المناهضة للحقوق، وتزايد حالات تجاهل القيم الإنسانية، معتبرة أن ذلك يفرض مسؤولية متجددة على المجتمع الحقوقي. وأضافت: «نعيش لحظة حرجة… وإذا لم نتحمل مسؤوليتنا كمدافعين عن الحقوق، فإن صرحاً بناه العالم بتضحيات كبرى مهدد بالانهيار».
رغم هذه التحديات، عبّرت المسؤولة الحقوقية عن تمسكها بالأمل، وقالت: «لا يزال هناك أمل في الشعوب، في المثقفين، في الشباب والأطفال، وفي المؤسسات التي قررت الانتصار لكرامة الإنسان».
وفي سياق موازٍ، تناولت الكاتبة الكاميرونية دجايلي أمادو أمل التبعات السلبية لتراجع الحقوق على أوضاع النساء، خاصة في منطقة الساحل، مشددة على أن أي إصلاح حقيقي يبدأ من الثقافة المجتمعية، لا من النصوص القانونية فقط. وأضافت: «المرأة تظل أولى ضحايا هذا التراجع… ولا يمكن الحديث عن التقدم في ظل نظم قيمية تُقصي نصف المجتمع».
من جهته، دعا الخبير الاقتصادي أحمد بنموسى إلى ضرورة ربط الحقوق بالمؤسسات وآليات المساءلة، معتبراً أن فعلية الحقوق تتحقق عبر تقييم السياسات العمومية وفق مؤشرات واضحة، وربط الأداء بالمسؤولية، مشيراً إلى أن دستور 2011 شكل منعطفاً في هذا المسار.
وفي ختام اللقاء، جدد المشاركون التأكيد على أن منظومة حقوق الإنسان تقوم على مبدأ الشمولية وعدم القابلية للتجزئة، وأن حماية هذه المنظومة تمثل التزاماً جماعياً تجاه الإنسانية جمعاء.