بعد توقف طويل، استُؤنفت أعمال تجديد محطة “الرباط-المدينة”، تحت إشراف المهندس المعماري يوسف مليحي. ولكن ماذا يجري خلف الكواليس؟ وكيف يسعى هذا المشروع الضخم للحفاظ على هوية المحطة التاريخية بينما يتكيف مع المتطلبات العصرية؟
عندما انطلقت أعمال تجديد محطة “الرباط-المدينة” لأول مرة، كانت التوقعات كبيرة. مكتب الهندسة المعمارية AWM كان في البداية المسؤول عن المشروع، لكن المقترحات المقدمة لم تكن تتماشى مع المعايير الجمالية والتوصيات التي وضعتها اليونسكو. هذا التباين أدى إلى توقف المشروع لفترة، إلى أن تم تعيين المهندس المعماري يوسف مليحي ليتولى زمام الأمور.
من هو يوسف مليحي؟
يوسف مليحي ليس غريبًا عن المشهد العمراني المغربي؛ فقد سبق له تصميم محطتي “الرباط-أكدال” و”مراكش”، اللتين حظيتا بإشادة واسعة. يقول البعض إن اختيار مليحي جاء نتيجة قدرته على تحقيق التوازن بين الحداثة والتراث، وهو بالضبط ما تحتاجه محطة “الرباط-المدينة”.

الأهداف المعمارية الجديدة
يعتمد المشروع الحالي على مجموعة من الأهداف الرئيسية، من بينها الحفاظ على حجم المبنى الأصلي. الهدف هو دمج المحطة التاريخية مع عناصر معمارية حديثة، مثل الجدران والأسقف الزجاجية، التي ستمنح المحطة طابعًا مميزًا يمزج بين الطابع التراثي والمعاصر. هذه التقنية مستوحاة من قاعات المحطات الأوروبية القديمة، التي كانت رمزًا للتنقل والتواصل بين المدن.
الاستدامة في صلب المشروع
الجانب البيئي لم يُغفل أيضًا، إذ يهدف المشروع إلى دمج نظام تهوية طبيعي صديق للبيئة، مستفيدًا من المساحات الخضراء داخل المحطة. هذه التقنية ليست جديدة على المشاريع المعمارية الكبرى في المغرب، حيث تم تطبيقها في “أريباط سنتر” في حي أكدال. الهدف من هذه الخطوة هو تقليل استهلاك الطاقة وتوفير بيئة مريحة للمسافرين.

إبراز السور الموحدي
من أبرز التحديات التي تواجه المشروع هو التعامل مع سور الموحدين الذي كان مخفيًا تحت السقف الحالي للمحطة. مليحي يرى أن إبراز هذا السور يمكن أن يعيد الروح التاريخية للمحطة، مع تقليل حجم المبنى لتسليط الضوء على هذا المعلم الأثري الهام.
تحديات التنفيذ
ورغم الرؤية الطموحة، لا يخلو المشروع من التحديات. التكلفة الإجمالية لأعمال التجديد تُقدر بـ250 مليون درهم، وهي ميزانية ضخمة. ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من المشروع بحلول عام 2025. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستتمكن المحطة الجديدة من تحقيق الهدف الأكبر؟ وهو استقبال قطار TGV، الذي لا يتوقف حاليًا في محطة “الرباط-المدينة”.
ما وراء الأرقام
المكتب الوطني للسكك الحديدية وشركة تطوير الرباط يطمحان إلى أن يكون هذا المشروع نموذجًا للمحطات المستقبلية، ليس فقط من حيث التصميم والوظيفة، ولكن أيضًا من حيث التكيف مع المعايير البيئية والعمرانية الحديثة. ولكن يبقى نجاح المشروع مرهونًا بقدرته على تحقيق هذا التوازن بين الماضي والحاضر، وبين المتطلبات الجمالية والوظيفية.
مع استئناف أعمال التجديد وتعيين مهندس معماري جديد، يبدو أن محطة “الرباط-المدينة” في طريقها لاستعادة مكانتها كواحدة من أهم المعالم العمرانية في العاصمة المغربية، ولكن يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن من تحقيق الرؤية الطموحة المرسومة لها؟