شدد لحسن الداكي رئيس النيابة العامة، على أن ” تكوين وتأهيل الموارد البشرية المكلفة بمحاربة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرٍهاب يكتسي أهمية بالغة في مسار تطويق هذه الظواهر الإجرامية خاصة على مستوى تنمية قدرات الأجهزة المكلفة بالبحث والتحقيق في هذه الجرائم، فيما يتعلق بموضوع التحقيقات المالية الموازية الذي كان ضمن التوصيات الأساسية التي أقرتها مجموعة العمل المالي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط في تقرير التقييم المتبادل الخاص ببلادنا”، موضحا ” أن نجاح هذه الأجهزة خلال البحث والتحقيق في إحدى الجرائم الأصلية من خلال فتح بحث مالي بالموازاة مع البحث الجنائي التقليدي من أجل الكشف عن المتحصلات المالية للجريمة وتعقبها وتوجيه إنتدابات بشأنها إلى الهيئات والمؤسسات المختصة للكشف عن حساباتهم البنكية وممتلكاتهم العقارية والمنقولة ومن تم تقديم الأدلة لربط تلك المتحصلات المالية بالجريمة الأصلية، سيساهم لا محالة في تجويد المعالجة القضائية لقضايا غسل الأموال وتعقب الأموال والمتحصلات وحرمان المجرمين من الإنتفاع منها.
وأكد الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة بمناسبة الندوة الوطنية حول موضوع التحقيق المالي الموازي في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب على ضوء مستجدات القانون رقم 12-18، ” أن التحقيقات المالية الموازية ومدى نجاحها في الوصول إلى تحقيق الهدف الأساسي منها والمتمثل في مصادرة متحصلات الجريمة تعتبر معيارا مهما يتحدد على أساسه مدى إلتزام الدولة بمتطلبات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإٍرهاب وفقا لمعايير مجموعة العمل المالي، ويعتبر ذلك عاملا حاسما في تقييمها على المستوى الدولي ومن تم رفعها من قائمة الدول عالية المخاطر.
وكشف الداكي، أن رئاسة النيابة العامة عملت على إيلائه أهمية بالغة من خلال التعليمات التي وجهت إلى النيابات العامة على الصعيد الوطني من خلال الدورية عدد 48 س/ ر ن ع بتاريخ 14 نونبر 2019 حيث تم حث النيابات العامة على تكليف الشرطة القضائية بإجراء الأبحاث المالية الموازية وذلك عبر جرد ممتلكات المتهمين العقارية والمنقولة وحساباتهم البنكية وعلاقة تلك الممتلكات بالجريمة بالإضافة إلى الإستعانة بمخرجات التقييم الوطني للمخاطر لتوجيه الأبحاث نحو الجرائم الأصلية ذات المخاطر المرتفعة، مع التأكيد على ضرورة طلب مساعدة الهيأة الوطنية للمعلومات المالية بشأن جميع الأدلة والمعلومات التي قد تفيد في البحث، فضلا عن تفعيل إجراءات الحجز والتجميد بمناسبة قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم الأصلية مع جعلها قاصرة على الأموال ذات الصلة بالجريمة وإحترام حقوق الغير حسن النية وذلك بعد إجراء الأبحاث المالية الموازية اللازمة التي تسمح بالتحقق من قيمة الأموال ذات الصلة بالجريمة مع تقديم ملتمسات للمحكمة من أجل مصادرتها في الحالات التي يسمح بها القانون.
وأفاد الداكي، أن التعديلات التشريعية الجديدة التي جاء بها القانون 18-12 المتعلق بمكافحة غسل الأموال والمتمثلة أساسا في تعميم الإختصاص القضائي في جرائم غسل الأموال على محاكم الدار البيضاء وفاس ومراكش إلى جانب محاكم الرباط، تساهم في تخفيف الضغط على هذه الأخيرة التي كان لها إختصاص وطني، كما سوف يكون لها دور فعال في تحسين وثيرة البحث وجودتها في الملفات وتحقيق النجاعة القضائية في معالجة مختلف القضايا المرتبطة بغسل الأموال ومسايرة المجهودات المبذولة في مجال تقوية آليات البحث والتحري في هذا النوع من الجرائم لا سيما بعد إحداث فرق جهوية للشرطة القضائية متخصصة في الجرائم المالية والإقتصادية بكل من الرباط والدار البيضاء وفاس ومراكش.
واعتبر الداكي، أن التعديلات التشريعية والآليات المؤسساتية وإن كانت ضرورية، إلا أنها غير كافية لوحدها للحد من المخاطر المستجدة لجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب والكشف عن مرتكبيها وتقديمهم للعدالة، ذلك أن الواقع الحالي يفرض بذل مجهودات ملموسة على مستوى تأهيل وتطوير كفاءات ومهارات مختلف الفاعلين في هذا المجال، لاسيما أجهزة إنفاذ القانون المكلفة بإنجاز الأبحاث والتحقيقات بخصوصها، وتعتبر هذه الندوة الوطنية فرصة لتبادل الرأي حول سبل الرفع من فعالية المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال والخروج بخلاصات مهمة خاصة وأنها تعرف مشاركة خبراء من مختلف القطاعات والهيآت المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
من جهته أكد جوهر النفيسي رئيس الهيئة الوطنية للمعلومات المالية،أن نجاعة أية سياسة لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب تتوقف على مدى تمكن السلطات والأجهزة المختصة من حرمان الجناة من عائدات الجريمة.
وقال النفيسي، خلال ندوة وطنية حول “التحقيق المالي الموازي في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب على ضوء مستجدات القانون رقم 12-18″ نظمتها الهيئة الوطنية للمعلومات المالية، إن بلوغ هذا الهدف يتطلب ” تعقب وتحديد الأموال وأصول المجرمين واتخاذ التدابير اللازمة لحجزها أو مصادرتها. وهذا بالضبط ما يفضي إليه تفعيل إجراء التحقيق المالي الموازي وتطبيق المقتضيات القانونية المتعلقة بالحجز والتجميد والمصادرة، بما يمنع اختفاء هذه الأموال والأصول وإدخالها في الاقتصاد المشروع”. وأبرز في هذا الصدد، أن إحداث الفرق الجهوية للشرطة القضائية المكلفة بإجراء الأبحاث في الجرائم المالية أسهم بشكل ملحوظ في تطوير الأبحاث المالية الموازية وتعقب الأموال الناتجة عن الجريمة وحجزها ومصادرتها، موضحا أن توسيع الاختصاص في مجال غسل الأموال ليشمل المحاكم الابتدائية لكل من الدار البيضاء وفاس ومراكش، إلى جانب المحكمة الابتدائية بالرباط، من شأنه تحقيق الفعالية المطلوبة في معالجة هذه القضايا في آجال معقولة.
وأشار النفيسي إلى أن هيئات المعلومات المالية تعتبر، إلى جانب السلطات القضائية والأجهزة الأمنية، مصدرا هاما للمعلومات، من شأنه مساعدة أجهزة إنفاذ القانون في البحث والتحقيق في الجرائم، مذكرا، في هذا السياق بالدور الهام الذي تلعبه الهيئة الوطنية للمعلومات المالية من خلال قاعدة البيانات التي تتوفر عليها، والتي يمكن أن تساعد في جمع الأدلة بمناسبة التحقيق في جرائم غسل الأموال والجرائم الأصلية وجرائم الإرهاب وتمويله.
وسجل أن “التعاون بين الهيئة والأجهزة المكلفة بالأبحاث والتحقيقات يعد من المتطلبات الأساسية التي تؤكد عليها مجموعة العمل المالي من خلال التوصيتين 30 و31، حيث يتم التركيز على هذا الموضوع في عملية التقييم والمتابعة” وقال النفيسي إن طبيعة جريمة غسل الأموال تتطلب فهما صحيحا من طرف سلطات التحقيق لتقنيات وأساليب ومخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب والعمليات البنكية المعقدة والتحويلات العابرة للقارات، مؤكدا على أهمية المعرفة الدقيقة لأوجه التشابه والاختلاف بين جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، “فرغم أن التنظيمات الإرهابية يمكن أن تستعمل قنوات غسل الأموال لتمويل عملياتها، إلا أن هناك العديد من المصادر والأساليب الأخرى التي يمكن أن تلجأ إليها هذه التنظيمات لتمويل أنشطتها، بما في ذلك الأنشطة +المشروعة+ بخلاف عمليات غسل الأموال التي تقوم على عائدات الجرائم”.
واستحضر، الدور الأساسي الذي تلعبه الهيئة الوطنية للمعلومات المالية في عملية التأطير والتكوين بهدف تعزيز الفهم الموحد لكل هذه التقنيات على ضوء المقتضيات القانونية والتنظيمية ومتطلبات المعايير الدولية.