يعود فاتح ماي ليحمل معه صدى الهتافات العمالية والشعارات المطلبية التي تملأ الشوارع والساحات. لكن سنة 2025 ليست كسابقاتها؛ فالسياق الاقتصادي والاجتماعي الذي يطبعها يمنح عيد الشغل طابعًا خاصًا، حيث تلتقي الأصوات النقابية في لحظة مفصلية، بين تصاعد موجات الغلاء ومشاريع الإصلاح الهيكلي التي باشرتها الحكومة تحت ضغط الداخل ومؤسسات التمويل الدولية.
شهد المغرب خلال السنة المنصرمة موجة جديدة من ارتفاع أسعار المواد الأساسية، تأثرت بها الشرائح الوسطى والفقيرة على حد سواء. فأسعار المحروقات والمواد الغذائية عرفت ارتفاعًا غير مسبوق، متأثرة بتقلبات السوق العالمية وتراجع الإنتاج المحلي، ما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين.
وفي هذا السياق، ارتفعت أصوات النقابات مطالبة بضرورة “التدخل العاجل للحكومة من أجل حماية القدرة الشرائية، وضبط الأسعار، ومحاربة الاحتكار”، وفق تعبير البيان المشترك الصادر عن المركزيات النقابية الكبرى: الاتحاد المغربي للشغل، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، و تتوزع مطالب النقابات هذه السنة بين مطالب فورية تتعلق بالرفع من الأجور والتعويضات، وأخرى هيكلية تهم إصلاح المنظومة الاجتماعية والتقاعد، وتكريس الحقوق النقابية داخل المؤسسات الإنتاجية.
أبرز المطالب المطروحة في ملفات النقابات بمناسبة فاتح ماي 2025 الزيادة العامة في الأجور في القطاعين العام والخاص، بما يتناسب مع معدل التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة و تحسين القدرة الشرائية من خلال تخفيض الضرائب على الدخل ومراجعة أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية و إقرار حد أدنى للأجر موحد بين القطاعين الصناعي والفلاحي، مع مراقبة صارمة لتطبيقه و مراجعة أنظمة التقاعد بما يضمن الكرامة للمتقاعدين ويحافظ على ديمومة الصناديق.
و رفض مشروع قانون الإضراب بصيغته الحالية، لما يعتبره النقابيون “تقييدًا غير دستوري لحق الإضراب المشروع”، مطالبين بضرورة إشراكهم في صياغة قانون متوازن يضمن الحق في الاحتجاج دون المساس بحرية العمل النقابي و تثبيت الحريات النقابية ووقف الممارسات التضييقية ضد الممثلين النقابيين داخل المقاولات و إعادة النظر في منظومة الحوار الاجتماعي عبر إرساء آليات دائمة وملزمة للحكومات والمؤسسات.
وعاد الجدل حول مشروع قانون الإضراب إلى الواجهة بقوة خلال التحضيرات لفاتح ماي. إذ تعتبر المركزيات النقابية أن “الصيغة الحالية للقانون تشكل تراجعا خطيرا عن المكتسبات الدستورية”، مشيرة إلى أن النص المعروض يفرض شروطا تعجيزية على ممارسة الإضراب، من قبيل إلزامية التفاوض قبل كل إضراب، ومنع الإضراب التضامني، وفرض عقوبات صارمة على الداعين إليه.
وأكدت النقابات في بلاغات متفرقة أنها “لن تقبل بتمرير هذا المشروع في غياب توافق حقيقي”، معتبرة أن تمريره دون التشاور مع الفرقاء الاجتماعيين سيكون بمثابة “إعلان مواجهة مفتوحة مع الحركة النقابية”.
من جانبها، تؤكد الحكومة على التزامها بالحوار الاجتماعي، حيث أعلنت في بلاغات رسمية عن “إرادة سياسية قوية لإقرار عدالة اجتماعية حقيقية” عبر مواصلة المشاورات مع الشركاء الاجتماعيين. لكنها في الوقت ذاته ماضية في عرض قوانين استراتيجية كقانون الإضراب، ومنظومة الدعم المباشر، وهو ما تعتبره النقابات “تناقضًا بين الخطاب والممارسة”.
كما تؤكد الحكومة أنها تسعى إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية من خلال برامج للدعم المباشر والتأمين الصحي، لكن النقابات تشدد على أن “تحقيق العدالة الاجتماعية يبدأ بالرفع الفوري للأجور وحماية القدرة الشرائية” و فاتح ماي 2025 ليس فقط مناسبة للاحتفال، بل لحظة تقييم جماعي لمسار العدالة الاجتماعية، وتذكير بأهمية الإنصات لصوت الشغيلة. فبين الوعود الحكومية، واحتجاجات النقابات، ورهانات الشارع، يبقى الأمل معقودًا على إرادة حقيقية في التغيير، تحفظ للعمال كرامتهم، وتؤسس لمغرب أكثر عدالة وإنصافًا.