حذر تقرير رسمي صادر عن وزارة الداخلية الفرنسية من “اختراق تدريجي وممنهج” لجماعة الإخوان المسلمين للمجتمع الفرنسي، عبر قنوات ناعمة داخل المؤسسات المحلية والمدنية، مسلطًا الضوء على “خطورة التغلغل الصامت” الذي بات يقلق الدوائر الأمنية الفرنسية، خصوصًا في ظل الوزن الديموغرافي الكبير للجاليات المغاربية، وفي مقدمتها الجالية المغربية التي تمثل أكثر من ربع مسلمي فرنسا.
إنذار رسمي واستنفار رئاسي
وصُنّف التقرير، الذي أعدّته أجهزة مختصة بطلب من وزارة الداخلية، كـ”إنذار أمني عاجل”، ما دفع الرئيس إيمانويل ماكرون إلى عقد اجتماع طارئ في قصر الإليزيه يوم 21 ماي 2025، لبحث تداعيات ما وصف بـ”التهديد الأيديولوجي” لقيم الجمهورية الفرنسية، لا سيما العلمانية والمساواة بين الجنسين.
خطاب مزدوج وتأثير ناعم
التقرير أشار إلى أن جماعة الإخوان المسلمين لا تلجأ إلى المواجهة المباشرة، بل تعتمد على خطاب مزدوج يُظهر اعتدالاً ظاهرياً، فيما يواصل تعزيز نفوذها عبر منظمات مثل “مسلمو فرنسا”، التي تشرف على أكثر من 139 مسجدًا و68 مركزًا دينيًا تابعًا أو قريبًا منها، ما يعادل نحو 7% من أماكن العبادة الإسلامية في البلاد.
الجالية المغاربية.. رافعة أم موطئ قدم؟
التقرير كشف أن نحو 82% من مسلمي فرنسا ينحدرون من دول المغرب العربي، بينهم 27.5% من أصول مغربية، وهي معطيات يرى خبراء الأمن أنها تمنح الجماعة بيئة ديموغرافية خصبة، تُستغل لفرض مرجعيات محافظة تتعارض مع مبادئ الجمهورية.
إجراءات مرتقبة.. وحظر محتمل للحجاب
على ضوء التقرير، تستعد الحكومة الفرنسية لإطلاق حزمة من الإجراءات التشريعية والأمنية، من بينها مقترح مثير للجدل تقدم به حزب “النهضة” الحاكم لحظر ارتداء الحجاب في الفضاء العام للفتيات تحت سن 15 عامًا، بدعوى “حماية الطفولة وتعزيز المساواة”.
ردود فعل غاضبة وتحذيرات من التعميم
في المقابل، رفضت منظمة “مسلمو فرنسا” الاتهامات، معتبرة أنها تحمل خلطًا خطيرًا بين الإسلام كدين والإخوان كتيار سياسي، محذّرة من أن مثل هذه الخطابات قد تؤدي إلى تغذية الكراهية وزعزعة التعايش، في وقت تشهد فيه فرنسا جدلًا عميقًا حول الهوية والانتماء.
سياق سياسي ضاغط
يأتي التقرير في سياق سياسي متوتر، تتصاعد فيه شعبية اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان، فيما تسعى الحكومة لتبني استراتيجية وقائية في ظل تخوف متجدد من عودة العنف المرتبط بالتطرف الديني، بعد سلسلة هجمات هزّت فرنسا منذ 2015.
ويبدو أن الحكومة الفرنسية عازمة على المضي قدمًا في خطة احتواء “الإسلام السياسي”، في ظل تصاعد الضغط الداخلي والأوروبي، غير أن المراقبين يحذّرون من خطورة الخلط بين الأمن الديني والتسييس، ومن نتائج التعميم على النسيج المجتمعي الفرنسي المتنوع والمعقّد.