بدأت تلوح في الأفق تحولات دبلوماسية لافتة في ملف الصحراء المغربية، بعدما كشف تقرير حديث صادر عن “معهد أبحاث الهجرة” عن وجود توجه لدى روسيا والصين، العضوين الدائمين في مجلس الأمن، نحو تبني موقف داعم للمبادرة المغربية بشأن الحكم الذاتي، على غرار مواقف الولايات المتحدة، فرنسا، والمملكة المتحدة.
هذه الخطوة، في حال تأكدت، قد تشكل نقطة تحول محورية في مسار النزاع الإقليمي المستمر منذ نحو خمسين عاماً، وتفتح المجال أمام توافق أممي واسع قد يسرّع من وتيرة الحل السياسي النهائي.
تحول في مواقف القوى الكبرى
التقرير المعنون بـ”المغرب على مفترق الطرق” أشار إلى أن موسكو وبكين تتابعان عن كثب التطورات الجيوسياسية في شمال أفريقيا، ويرجح أن تشهدا انزياحاً تدريجياً نحو دعم المقاربة المغربية، خاصة في ظل ما باتت تفرضه التحالفات الجديدة والمصالح الاقتصادية.
وأشار التقرير إلى أن الصين ترى في المغرب بوابة عبور استراتيجية نحو الأسواق الأوروبية والأمريكية، بفضل استقراره السياسي، وتوفره على بنية تحتية صناعية ولوجستية متطورة، وهو ما يعزز جاذبيته لاستثمارات الشركات الصينية، لا سيما في قطاع الطاقات النظيفة وصناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
أما روسيا، فرغم تحالفها التاريخي مع الجزائر، التي تدعم جبهة البوليساريو، إلا أن التطورات الجيوسياسية، وخصوصاً إعادة تموضعها في أفريقيا بعد الحرب الأوكرانية، قد تدفعها إلى إعادة ضبط توازناتها، خاصة مع بروز المغرب كفاعل إقليمي مؤثر في ملفات الطاقة والهجرة ومكافحة الإرهاب.
مبادرة الحكم الذاتي: أساس الحل السياسي
المبادرة المغربية التي قُدمت سنة 2007 للأمم المتحدة، تنص على منح سكان الصحراء المغربية حكماً ذاتياً موسعاً في إطار السيادة الوطنية، وتوفر لهم صلاحيات في مجالات التنمية والإدارة والتمثيل السياسي، مع احتفاظ الدولة المركزية باختصاصاتها في الأمن والدفاع والعلاقات الخارجية.
وقد وصفت المبادرة منذ إطلاقها بأنها واقعية ومتقدمة، واعتبرتها الأمم المتحدة أكثر من مرة قاعدة “جادة وذات مصداقية” للحل. ويؤكد المغرب، رسمياً، أنه لا يقبل أي حل خارج هذه المبادرة، وهو موقف يكرره جلالة الملك محمد السادس نصره الله باستمرار، مشدداً على أن مغربية الصحراء “حقيقة ثابتة وغير قابلة للنقاش”.
زخم دولي متصاعد
أدت سلسلة من الاعترافات والدعم من قوى كبرى إلى إحداث توازن جديد لصالح الطرح المغربي، بدءًا من اعتراف إدارة ترامب في 2020، مرورا بتأييد فرنسي رسمي في 2024، ثم إعلان لندن دعمها المقترح المغربي في مايو 2025.
وفي حال انضمام روسيا والصين لهذا الاتجاه، فإن ذلك سيعني عملياً توفر دعم الأغلبية الساحقة داخل مجلس الأمن لمبادرة الحكم الذاتي، مما سيسرع من إمكانية اعتماد مقاربة جديدة في القرارات الأممية المقبلة، بما قد يؤدي إلى تجاوز حالة الجمود التي وسمت مسار المفاوضات منذ سنوات.
انعكاسات إقليمية محتملة
تشير التحليلات إلى أن تبني روسيا والصين للموقف المغربي لن يكون مجرد خطوة رمزية، بل سيعيد تشكيل معادلات النفوذ في منطقة المغرب العربي والساحل والصحراء. وقد تجد الجزائر نفسها، وفق التقرير، أمام تحدٍ جديد يستدعي منها مراجعة مواقفها الاستراتيجية، لاسيما في ظل اتساع عزلة جبهة البوليساريو على الساحة الدولية.
ويرى مراقبون أن هذا التحول المحتمل من جانب بكين وموسكو، وإن لم يُعلن بعد رسمياً، يعكس إدراكاً متزايداً في العواصم الكبرى بأن حل نزاع الصحراء يمر عبر دعم مقترحات عملية وواقعية، تضمن الاستقرار وتكافؤ الفرص، وتراعي وحدة الدول وخصوصياتها السياسية.
في هذا السياق، تبرز مبادرة الحكم الذاتي المغربية بوصفها الإطار الأنسب لتسوية النزاع، خصوصاً إذا ما توافقت حولها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهو ما سيكون سابقة دبلوماسية في هذا الملف، قد تفتح الباب أخيراً أمام حل سياسي نهائي ومستدام لقضية عمرها نصف قرن.