مصطفى المانوزي
قد يكون رئيس الحكومة السابق صادقا وهو يدافع عن الموقف المغربي من الاتهامات ذات الصلة بالتجسس، لكن يبقى السؤال المثير هو لماذا بنكيران بالضبط هو من بادر، وبأية صفة ومن أجل أية مصلحة؟ ولماذا ركز بالضبط على الأشخاص دون المؤسسات؟ وهل هي شهادة شخصية وتلقائية أم بناء على طلب رسمي او توجيه مؤسستي؟
هي تساؤلات قبل أن تكون أسئلة، ومن أجل ملامسة بعض ملامح الجواب لابد من استحضار السياق العام وبعضا من سوابق الأمين السابق لحزب المصباح في علاقته المفارقة مع الشأن الأمني وأجهزته وكذا بعض مسؤوليه النافذين، فقد أتيحت له ولبعض وزراء حزبه فرص لبناء علاقات مؤسستية او شخصية داخل دواليب الدولة ومؤسساتها، وتجدر الإشارة إلى أن أول إنجاز تشريعي حققه، في ظل ولايته الحكومية ومخططه التشريعي، هو سن القانون رقم 12/02 المتعلق بحماية العسكريين والذي تضمن المادة السابعة الذي ينص على إعفاء مقترفي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الحقيقيين والمفترضين من المساءلة والمسؤولية الجنائية، والمادة السادسة التي تمنع على العسكر الإدلاء بأي تصريح او شهادة ذات الصلة بالانتهاكات.
هذا المشروع الذي غير البرلمان جوهر مادته السابعة دون السادسة بفضل اعتراض وتحرك الحقوقيين وعلى رأسهم المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف. وكان مفترضا من الناحية المبدئية والبروتوكولية أن تعطى الاولوية والعناية لمشروع القانون رقم 12/01 المتعلق بتوضيح وتمييز صلاحيات واختصاصات الملك عن تلك التي لرئيس الحكومة؛ وبذلك كان هذا الإنجاز بمثابة مظهر للتسوية والتنازل التاريخي لرئيس الحكومة لفائدة المؤسسات الأمنية العسكرية وغيرها، والتي كان حضورها حاسما في إقرار ضمان سلامة الانتقال الدستوري والسياسي الثاني بنفحة أصولية بمرجعية دينية، فليس غريبا ان يختار الوصيف من عائلة شيوعية تجتمع فيه قرابة البيولوجيا أكثر منه المرجعية والاديولوجيا، قرابة تمتد في شرايين الدولة حزبيا وأمنيا، ولم لا والحكم على الشيء فرع من تصوره. لكن يبدو، على هذا المستوى، أن الوضع (بامتبازاته ومقتضياته) لم يعد له محل ولن يفيد بنكيران كرئيس حكومة سابق، منذ ان تغيرت كثير من الأسماء على رأس الأجهزة والقطاعات والأحزاب.
فهل هي آخر صيحة للفت الانتباه أم أن في الأمر محاولة لإعادة تأثيث العلاقة فيما بين الأصوليتين المخزنية والدعوية الإسلاموية، على شاكلة زواج النداء والنهضة قياسا على نموذج تونس (رغم الشقاق الذي يتهدده)، لأن ما يهم هو المحطة الانتخابية التي سيكون للتقييم الأمريكي (الديمقراطي) وقعه “الدبلوماسي” في تخفيف ما سينزل على قوة وحجم المصباح العددييْن. لذلك فلا غرو إذا صادف توقيت خطاب بنكيران زمن انعقاد مراسيم الخِطبة بين التراكتور واللامبة ، خلافا لما كانت عليه الأدوار المرسومة سابقا.