وضع جلالة الملك محمد السادس في خطابه السامي الموجه للبرلمان ، خارطة طريق واضحة موجهة للحكومة والبرلمان بغرفتيه، حيث حدد جلالته معالم الأوراش الكبرى التي يتعين على الحكومة والبرلمان بغرفتيه الاشتغال عليها بكل حزم ومسؤولية و وطنية ، وحمل الخطاب خريطة طريق تشمل ثلاثة محاور أساسية، يتعلق أولها بالسيادة الوطنية وتعزيز مكانة المغرب جهويا ودوليا، أكد من خلالها جلالة الملك على أهمية رفع التحديات والوقوف في وجه كل الصعوبات التي أفرزها السياق الدولي، وخاصة الوضعية الوبائية التي أثرت على القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، و المحور الثاني يهم تعزيز الأمن الاستراتيجي في المجالات الغذائية والطاقية والصحية، من خلال إحداث منظومة وطنية متكاملة للمخزون الاستراتيجي، مشيرا إلى أن ذلك يجسد رؤية ثاقبة تتماهى مع الرهانات الاستراتيجية المستقبلية، في حين المحور الثالث يتعلق بتنزيل النموذج التنموي الجديد على أرض الواقع، مؤكدا في هذا الصدد أن جلالة الملك دعا الحكومة والبرلمان إلى وضع المشاريع ووسائل التمويل المرافقة من أجل تحقيق أهداف النموذج التنموي الجديد ، الذي يسعى المغرب من خلاله إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية وتقليص الفوارق.
وأجمع باحثون وجامعيون، على أن الخطاب يشكل خطة توجيهية وتعبوية لمغرب ديناميكي يشق طريقه نحو التقدم، حيث أوضح الأستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش، عبد الرحمان بلكورش، أن هذا الخطاب الذي تزامن مع تعيين حكومة جديدة، سعى إلى أن يكون “خطابا تعبويا من أجل كسب رهان التنمية، التي تضمن استمراريتها المؤسسة الملكية”، وأضاف أن الخطاب الملكي يعكس الأهمية التي يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للعمل البرلماني، وللدور الذي قد تضطلع به هذه المؤسسة في بلورة وتنفيذ المشاريع المجتمعية، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق أيضا بخطاب محفز، بما أن الأوراش متعددة ومتنوعة في ظرفية خاصة جدا.
وكشف الخبير، أن جلالة الملك محمد السادس ذكر كذلك، في هذا الخطاب، بأن المغرب، دبر، في ظرفية دولية صعبة، بشكل ناجع الأزمة الناجمة عن الجائحة، على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، مؤكدا أن “الثقة التي تحظى بها بلادنا، وفي دينامية اقتصادها تترسخ وتتعزز، كما يدل على ذلك الارتفاع المسجل، إلى غاية شهر غشت الماضي، في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بما يقارب 16 في المائة، وزيادة تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، بحوالي 46 في المائة”، و أشار الباحث إلى أن الخطاب الملكي أكد أن المغرب نجح في تدبير التناوب، مشددا على أن تغيير الفرق الحكومية لا يعني دائما تغيير الأولويات.
وشدد مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، عبد الفتاح الفاتحي، إن الخطاب الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى أعضاء البرلمان، أمس الجمعة، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية الحادية عشرة، يرسم خارطة طريق العمل الحكومي والبرلماني الجديد لمواكبة التحديات الخارجية والداخلية، عبر سلسلة من الإجراءات الإصلاحية الشاملة.
وأبرز المحلل السياسي، أن الخطاب الذي يكتسي طابعا توجيهيا، يدعو الحكومة والبرلمانيين والمنتخبين في الأغلبية والمعارضة إلى التكاثف والتماسك لاستكمال المشاريع الكبرى، ومنها مسألة الحماية الاجتماعية، كما يجعل الخطاب من مسألة السيادة الوطنية، يتابع المتحدث، أحد أولويات العمل الحكومي لتحقيق الأمن الاستراتيجي، في ظل التطورات الإقليمية والدولية وانعكاسات ذلك على الموقف التفاوضي للمملكة في قضية نزاع الصحراء.
وسجل الفاتحي، أن الخطاب الملكي، وإذ يثمن المشاركة السياسية الواسعة في الأقاليم الجنوبية، فإنما يدعو إلى مواصلة تعزيز النمو الاقتصادي والاجتماعي بهذه الأقاليم، عبر مواصلة مشاريع تنموية مهيكلة بكل من جهتي الداخلة-وادي الذهب والعيون-الساقية الحمراء، وهو ما يستدعي، برأي الباحث، مزيدا من جذب الاستثمار الأجنبي وتنفيذ المشاريع الكبرى بالشكل الذي يجعل هذه الجهة رائدة على المستوى الإقليمي، مشيرا إلى أن الخطاب الملكي يعتبر أن المشاركة السياسية المرتفعة في الأقاليم الجنوبية يعد جوابا نهائيا على سيادة المغرب الواقعية والعملية على أقاليمه الجنوبية، وأن الواقع العمل والسياسي والمؤسساتي في هذه الأقاليم يجسد هذه الحقيقة، وخلص المحلل السياسي إلى التأكيد على أن تحقيق رهانات تتعلق بالأمن الاستراتيجي والاجتماعي والاقتصادي يستدعي عملا إصلاحيا شاملا، بما يجعل العديد من المؤسسات مواكبة لما يقتضيه تفعيل مشاريع البرنامج التنموي الجديد.