كشف محمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة لنقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، التوجيهات الملكية لمواصلة مسار اصلاح القضاء موضحا خلال تنصيبه صباح أمس لمحكمة النقض، على أن جلالة الملك أمره بالاستمرار في برنامج إصلاح القضاء الذي يقوده جلالته بحكمة وتبصر، قائلا، وأكد لي جلالته حفظه الله حرص جلالته الشريفة على حماية استقلال القضاء ودعم تطويره وتحصينه، موضحا أن جلالة الملك، وجهه إلى ضرورة اضطلاع القضاء بأدواره الأساسية في التنمية وحماية الاستثمار والحقوق والحريات.
وقال عبد النباوي خلال جلسة التنصيب، و إذ استلم مقاليد الرئاسة الأولى لمحكمة النقض، والرئاسة المنتدبة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، لأجدني عاجزاً عن إيجاد الكلمات الكافية لتقديم الشكر والامتنان لمقام صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، لما شملني به جلالته من عطف مولوي كريم، وما دعمني به من سند ملكي عظيم في مهامي السابقة، و ما أولاني حفظه الله من ثقة سامية بتعييني في هذا المنصب الذي يختزل شرف القضاء، ويجسد رمز الأمانة العظمى. والذي كما
واضاف عبد النباوي، واذ أقاسمكم سعادتي بالثقة المولوية التي وضعها صاحب الجلالة في شخصي المتواضع، وابتهاجي بالدعم المولوي للسلطة القضائية، والذي زرع في روحي حماساً منقطع النظير يحفزني لبذل كل الجهد للوفاء بالمهمة السامية التي أنيطت بي، فإني أعتبر حضوركم اليوم بيننا لهذه الجلسة الرسمية، دعماً لنا فيما تم إنجازه من برامج منذ تأسيس السلطة القضائية. وسنداً مستمراً لنا فيما سنتولى تنفيذه من برامج في المستقبل إن شاء الله. ولذلك فإنني أشكركم جميعاً، كل باسمه وصفته والاحترام والتقدير اللائق بشخصه ومكانته.
واعتبر عبد النباوي، على أن المهام على رأس محكمة النقض تنطلق في ظروف شديدة الصعوبة بسبب إكراهات جائحة كوفيد 19، وتأثيرها على الممارسة القضائية العادية، فإن اهتمامنا – إلى جانب رؤساء الغرف ومستشاري المحكمة سينصرف إن شاء الله إلى تحسين جودة صياغة القرارات وتوفير الاجتهاد القضائي لمحاكم الموضوع ولكافة المعنيين والمهتمين. بالإضافة إلى مواصلة البحث عن مقترحات لحلول من أجل التغلب على الكثرة العددية من الطعون بالنقض، مما يسمح للمحكمة بتوفير الوقت اللازم لدراسة الملفات دراسة متأنية تخدم مبادئ العدالة والإنصاف، وتصون حقوق الأطراف، دون المساس بالحق في التقاضي على درجتين المكفول بمقتضى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
ودعا عبد النباوي، إلى الاشتغال مع أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطوير أداء المجلس نحو القيام بدور طلائعي في تنزيل برامج الإصلاح بتعاون مع رئاسة النيابة العامة ووزارة العدل والمهن القضائية. وبطبيعة الحال فإن قضاة المملكة سيكونون فاعلين أساسيين في هذه البرامج سواء في إطار جمعياتهم القضائية أو ضمن المحاكم والهيئات القضائية التي ينتمون إليها
أو ككفاءات فردية. ونعتزم بذلك ترسيخ مقاربات تشاركية لاستيعاب مختلف التطلعات واستكشاف كل الأفكار، والملاءمة بين مختلف المصالح بما يخدم المصلحة العامة القضائية ويطور الرصيد القانوني والحقوقي الوطني.
وشدد الرئيس المنتدب، على أن القضاء مستأمن على حقوق وحريات الأفراد والجماعات، وعلى المساهمة في توفير شروط النزاهة والشفافية وتخليق الحياة العامة، فإننا سنسعى بكل الوسائل الممكنة والمشروعة إلى تحسيس القضاة بدورهم الدستوري في هذا الإطار، وسنفتح حوارات مع المسؤولين القضائيين والمحاكم، وكذا مع الجمعيات القضائية لتفعيل هذا الدور، وسندعم كل المبادرات الرامية لتطبيقه. كما سنحرص إن شاء الله، وسنعمل على توجيه المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى التمسك بالمعايير الأسمى في إسناد المسؤوليات للقضاة. وندعم الأدوار التأطيرية للمسؤولين القضائيين، بما يلزم من تكوين وتحسيس لازمين لتقوية دورهم في تسيير المحاكم والإشراف على عمل القضاة.
وبالنظر إلى صدور مدونة الأخلاقيات القضائية ونشرها بالجريدة الرسمية مؤخراً، فإن تعميمها على قضاة المملكة وتنظيم لقاءات دراسية بشأنها، سيكون من بين أول البرامج التي سنسعى إلى تنفيذها بتعاون مع المسؤولين القضائيين والجمعيات المهنية للقضاة. باعتبارها مدخلاً لتخليق مهنة القضاء وتحصين القضاة من بعض الممارسات الماسة بشرف المهنة ووقارها. ونعتقد أن مهمة التخليق تسائل جميع القضاة، الذين يجب أن يستحضروا بشأنها، المبادئ الأساسية للعدل القائمة على استقلال القضاء وحياده وتجرده، ومراعاة مبادئ العدل والإنصاف. والحرص على نزاهة الأحكام وجودتها، وصدورها في زمن معقول. وتوفير شروط المحاكمة العادلة. وكذلك احترام أخلاقيات وأعراف وتقاليد مهنة القضاء، والالتزام بوقارها والحفاظ على شرفها. وهي مقومات متوفرة لقضاة المملكة، ويتعين فقط التنبيه إلى احترامها والتحسيس المستمر بضرورة الحفاظ عليها.
حضرات السيدات والسادة المحترمين.
وقال عبد النباوي، ان المجلس الأعلى للسلطة القضائية رمزٌ لسلطة دستورية هي السلطة القضائية. وإنَّ تَشَرُّف هذا المجلس برئاسة جلالة الملك، يجب أن يتم استحضاره من قبل أعضاء المجلس جميعاً، باعتبارهم ينوبون عن جلالته في تدبير الشأن القضائي في الأمور التي يختص بها المجلس. ولذلك فإننا جميعاً مدعوون لاستحضار هذه الحمولة الدستورية في عمقها الفلسفي، وتجلياتها الفكرية، ومعانيها الرمزية وأبعادها الإنسانية.
ودعا عبد النباوي، إلى جعل المجلس يساهم إلى جانب سلطات الدولة، في تطوير دور العدالة وتخليق الحياة العامة، ودعم استقلال القضاء، نحو ما يخدم تشجيع الاستثمار والدفع بمبادرات التنمية والحفاظ على مناصب الشغل وتوفير الأمن والاستقرار وحماية الأشخاص والحقوق والحريات والممتلكات.
كما أن رئاسة جلالة الملك للمجلس الأعلى للسلطة القضائية تدعو السيدات والسادة القضاة إلى التعامل مع هذا المجلس، بما يلزم من الاحترام الواجب لمؤسسة دستورية تحمي حقوقهم وتحرص على قيامهم بواجباتهم. ولذلك لابد من التفكير المشترك في وضع قواعد للتعامل مع المجلس، وتدبير كيفية إصغائه لتظلمات وطلبات القضاة، والتماسات جمعياتهم المهنية، والدفاع عن حقوقهم وتحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية كما هو مبين في المادة 108 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. كما نأمل أن تكون انتخابات ممثلي القضاة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية للولاية القادمة، والتي يتعين إجراؤها بعد بضعة أشهر من الآن، عنواناً على انخراط قضاة المملكة في مسلسل إصلاح العدالة الذي يقوده جلالة الملك، وذلك بالتقيد بالمبادئ الدستورية والتقاليد القضائية في التنافس الحر الشريف، الذي سيفضي إن شاء الله إلى اختيار قضاة يجسدون أسمى مبادئ الشرف والكرامة والنزاهة، ويضعون مصلحة القضاء فوق مصلحة القاضي، ويجعلون من القاضي النزيه رمزاً للقضاء، ويكونون قادرين على إعطاء صورة مشرفة على قضاء المغرب في هذا الزمن المليء بالتحديات الكبرى.
وشدد عبد النباوي، على أن رئاسة صاحب الجلالة للمجلس، يعطي للسلطة القضائية مكانة متميزة بين سلطات الدولة الثلاث، ويدعو باقي السلطات إلى دعم تأسيسها ومساعدتها في تنظيم هياكلها بالتوفر على النصوص القانونية اللازمة لعملها وتسييرها وتوفير الموارد البشرية والمادية التي تحتاجها لأداء عملها. وأن تحافظ فلسفة التشريع على المبدأ الدستوري الناظم لاستقلال السلطة القضائية. وهو ما يدعو إلى توفير متطلبات ذلك الاستقلال.
وفي الختام فإنني أدعو كافة قضاة المملكة إلى رفع تحدي الإصلاح والسَّعي إلى استعادة ثقَة المتقاضين وعموم المواطنين في قضائهم، وذلك عن طريق التمسك بمبادئ العدل والإنصاف ونصوص القانون، والتحلي بالقيم والأعراف القضائية والأخلاقيات المهنية، وقواعد النزاهة والشفافية. والتي سيعمل المجلس على التحسيس والتوعية بها وفرضها بقوة القانون.