برز هشام جيراندو، الذي يُقدم نفسه كناشط يحارب الفساد في المغرب، كشخصية مثيرة للجدل؛ فهو من ينشر مقاطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي يتهم فيها شخصيات رفيعة المستوى بجرائم مالية وأخلاقية، في محاولة لاستغلال الشغف الجماهيري وإثارة الجدل على حساب الحقيقة.
لكن التحقيقات المستفيضة كشفت أن وراء خطاب “محاربة الفساد” تخبئ شبكة إجرامية مترابطة، وأن هذا “النصاب” لم يعد يخفي حقيقة تورطه في أنشطة غير قانونية، بل وأعلن تطاوله على المؤسسة الملكية الشريفة.
من هو هشام جيراندو؟
وُلد هشام جيراندو في إقليم صفرو عام 1976، وبدأت ظلال قضاياه تتشكل منذ سنواته الأولى في ليبيا، حيث تُزعم مشاركته في أنشطة مشبوهة منها الاتجار بالبشر وتزوير الهويات.
وبعد فشل مشاريعه في المغرب، لجأ إلى كندا، وهناك استغل فضاء الإنترنت ليخلق لنفسه صورة “ناشط مكافحة الفساد”، رغم أن سجله الجنائي يشير إلى ممارسات مشبوهة أكثر من مجرد نشاط سياسي.
ساحة التواصل: معركة زائفة ضد الفساد؟
من خلال مقاطع الفيديو التي ينشرها على تيك توك ويوتيوب، يُلقي جيراندو اللوم على نخبة من الشخصيات المغربية في جرائم لا يدعمها دليل موثوق، في سرد درامي يحاكي قصص المؤامرات.
ومع ذلك، فقد جاء قرار المحكمة العليا في كيبيك بإدانته بتهمة “ازدراء المحكمة” بعد رفضه إزالة منشورات تشهيرية، وهو ما يضع حدًا واضحًا أمام محاولاته البراقة للتلاعب بالمشاهدين.
تشير تقارير تحقيقية من صحيفة “لابريس” الكندية إلى أن التحقيقات لا تزال جارية مع شرطة مونتريال بشأن تهديداته الموجهة ضد قاضٍ مغربي، مما يؤكد أن خلفياته تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد نشاط إعلامي سطحِي.
تحت عدسة القانون: موجة من الدعاوى والاتهامات
لم تقتصر فضائح هشام جيراندو على مجرد تصريحات ملفقة، بل وصلت إلى حد مواجهة القانون في عدة دول. فإلى جانب الدعاوى القضائية في المغرب التي اتهمته بالتشهير والابتزاز، تتوالى القضايا المماثلة في كندا. وفي حادثة تكتسي طابعًا أكثر جدية، ربطت تقارير النيابة العامة في المحكمة الزجرية عين السبع بالدار البيضاء بين تورط أشخاص من ضمن شبكة قريبة منه بآصرة القرابة، وذلك في قضايا تتعلق بالتهديد والابتزاز باستخدام تطبيقات المراسلة الفورية. هذه الوقائع ترسم صورة لحالة من الفوضى القانونية والإجرامية التي يُستخدم فيها الإعلام كأداة لترويج المصداقية المزيفة.
تطاول على المؤسسة الملكية
ما يجعل صورة هشام جيراندو أكثر إثارة للسخرية هو خطابه العدائي المتواصل ضد المؤسسة الملكية، التي تُعد رمزاً للاستقرار والوحدة الوطنية في المغرب.
منذ قرون، تشكلت العلاقة بين الشعب المغربي والمؤسسة الملكية على أسس من الولاء المتبادل والانتماء العميق. ليست هذه العلاقة مجرد ارتباط سياسي، بل هي تجسيد حقيقي لروابط تاريخية وثقافية تمتد في جذور الهوية المغربية.
فالمغاربة، بمختلف أطيافهم، يرون في الملكية رمزًا للوحدة وحصنًا ضد التحديات الداخلية والخارجية، إذ استطاعت المؤسسة الملكية عبر العصور أن تكون ركيزة الاستقرار وصمام أمان يحفظ تماسك الأمة في مواجهة التقلبات الإقليمية والدولية.
الملك في المغرب حاضر في تفاصيل الحياة اليومية للمغاربة. من خلال جولاته المستمرة، وتدخله المباشر في القضايا الاجتماعية والتنموية، وتجسيده لمفهوم “الملك المواطن”، أثبت أنه القائد الذي يشعر بنبض شعبه.
فحينما تضرب الأزمات، سواء كانت كوارث طبيعية أو تحديات اجتماعية، يكون الملك أول من يتدخل لضمان حماية المواطنين وتقديم الدعم لهم، في صورة تعكس العلاقة الاستثنائية بين القائد وشعبه.
وفي كل محطة تاريخية مفصلية، أثبت المغاربة أن علاقتهم بالملكية ليست مجرد تقليد، بل هي التزام وجداني ووطني.
المغاربة لا يرون في الملكية مجرد نظام حكم، بل يعتبرونها جوهر الدولة وعماد استمرارها، ولهذا فإن كل محاولات التشكيك أو الإساءة للمؤسسة الملكية تُقابل برفض شعبي واسع، لأن المساس بالملكية هو مساس باستقرار المغرب وأمنه وهويته.
حملات التشويه وصراع المعلومات
لا يمكن فهم ظاهرة هشام جيراندو بمعزل عن السياق الإعلامي والسياسي الذي يشهده المغرب والعالم. ففي عصر تنتشر فيه الأخبار الزائفة، أصبح من السهل استغلال منصات التواصل لنشر معلومات مغرضة تهدف إلى زعزعة استقرار صورة الدولة ومؤسساتها الأمنية والقضائية.
يستخدم بعض الجهات المعادية هذه الشخصيات كأدوات لنقل رسائل تتماشى مع أجندات سياسية خارجية، لتسليط الضوء على قصص درامية تفتقر إلى الأسس الحقيقية. وفي هذا السياق، يظهر جيراندو ومثله من الشخصيات كمثال حي على كيفية تحول الإعلام إلى ساحة معركة بين الحقيقة والخيال.
في النهاية، يبقى هشام جيراندو رمزاً للتناقض؛ فهو الذي يدّعي النضال ضد الفساد بينما يخفي وراء شعاراته شبكة من الممارسات الإجرامية، ويتخذ من التطاول على رموز الاستقرار مؤشراً على تدهور وضعه الشخصي.
ومع تلاحق القضايا القضائية وتزايد الأدلة التي تكشف عن تورطه، يبدو أن الساعة قد اقتربت؛ إذ يُحس بمرور الوقت وازدياد احتمال نهاية مشواره الوهمي.