المغاربة كبارا وصغارا منشغلون منذ أيام بالحرائق التي تأتي على رئة المغرب، أي الغابات في الشمال والشرق، وأنهكت آلاف الهكتارات التي أتت عليها النيران، وتم ترحيل عدد من الأسر بعيدا عن الخطر، واستنفرت الدولة كل الإمكانيات وما زالت، وهناك محاولات أرضية وجوية للسيطرة على الحرائق، وتم توجيه طائرات متخصصة التي نفذت طلعات كثيرة وهناك عمل حثيث للسيطرة على الحرائق حتى لا يضيع الشجر والبشر، وأجمع الكل على المواجهة، وكل المسؤولين واقفون ليل نهار للسهر على عملية الإطفاء.
رئيس الحكومة ووزراؤه أظهروا أنهم غير معنيين بالكارثة وتوجهوا عكس الأمكنة التي توجد بها الحرائق، حيث ذهب إلى أكادير، وهو بالمناسبة رئيس المجلس الجماعي لمدينة أكادير قصد إعطاء انطلاقة بعض المهرجانات، التي كان يلزم توقفها حتى نطفئ الحرائق. لكن عزيز أخنوش الذي فضل أن يكون فقط رئيس حكومة “أكادير” بدل رئيس حكومة عموم المغاربة سمع ما كان يتفادى سماعه. أصوات ارتفعت في مهرجان تيمتار تطالبه بالرحيل.
وقد ارتفع هذه الأيام شعار “أخنوش إرحل” عبر منصات التواصل الاجتماعي، وقال الذباب الإلكتروني إنها مدفوعة، وبما أن الذباب ألف ألا يتكلم إلا عندما “يقبض” نسي أن الحملة “غير مدعمة” وهذه خاصية يمكن الاطلاع عليها، بمعنى أن من يطالب برحيل أخنوش ليس من تسيره جهات معينة على خصومة سياسية مع رئيس الحكومة، ولكنه المواطن، الذي لم يعد يحتمل هذا الارتفاع المهول في أسعار المحروقات وأسعار المواد الغذائية.
رحيل أخنوش لم يعد مطلبا شعبيا فقط، ولكنه ضرورة تاريخية، لأن هذا الرجل أصبح خطرا على الدولة نفسها، باعتباره يترأس واحدًا من مؤسسات الدولة المهمة بل المؤسسة التي هي على احتكاك بالشعب، ولم يتورط فقط في ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، حيث اكتوى المواطن بنيرانها، ولكن رجل أفسد مفهوم التواصل السياسي وخلق التوتر في المجتمع، ونحن نكره شعار “إرحل” ذا الإحالات السيئة، ولم يكن المغاربة يرفعونه إلا في وجه أخنوش، بمعنى أن السيل بلغ الزبى، وأن الحكومة لم تعمل على معالجة الأزمة وإنما أضافت إلى الأزمة مزيدا من النار.
رئيس حكومة يترك منطقة تحترق ويذهب للاحتفال في المدينة التي يترأس مجلسها الجماعي يبحث عن الفوضى، في الوقت الذي تجند فيه الجميع من أجل إخماد الحرائق وتوفير الدولة كافة الإمكانيات اللازمة لذلك، والبحث عن حل لأزمة النازحين من بيوتهم، فضل رئيس الحكومة الاحتفال بالمهرجانات وهذا سلوك مريب وغريب له مدلول واحد هو أن رئيس الحكومة “ليس منا”.
فنحن كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو بالسهر والحمى تداعى له باقي الجسد، فرئة المغرب تحترق والناس في نكبة وكارثة ورئيس الحكومة “ناشط”، كأنه يقول للناس وللمغاربة أساسا موتوا بغيضكم فنحن أصحاب تجارة لا مبادئ، وهذا يؤدي إلى الحقد على مؤسسة من مؤسسات الدولة وهو حقد إن لم يتم قطعه ينتقل إلى مؤسسات أخرى.