طارق ضرار
يقوم الفكر على توجيه الرؤية وتحديد الأهداف ورسم معالم الطريق الأساسية لأي تحرك أو مشروع أو مبادرة أو برنامج حياة، ويرسم الفكر المنظومة التي يراها الإنسان قادرة على المساهمة في رقيه وتطوره ونمائه، والفكر يتعدد من فكر الأشخاص إلى فكر المؤسسات إلى فكر الدولة، وفكر الدولة يحدد طريقها ومعالمها ورؤيتها السياسية لتدبير أحوال الناس كسلطة نابعة من المجتمع لحفظ النظام والسهر على خدمة المجتمع…
وفكر الدولة يتجسد بالأساس في الحكومة، كآلية تدبيرية وسلطة تنفيذية لها امتداد على مستوى السلطة التشريعية كأغلبية بالبرلمان، ويتضح الفكر بشكل جلي عند الممارسة والعمل الحكومي، كفعل سياسي نابع من فكر وفلسفة وسياسة ونهج معين، والأمر هنا يحيلنا إلى تحليل المعطى الفكري للحكومة، ومدى أهمية الفكر الحكومي في تجسيد برامجها وفلسفتها في تدبير الشأن العام، وإلى أي حد نجحت الحكومة في خلق فكر معين وسطرت لنهج محدد لطريقة عملها.
عند الملاحظة الأولى نرى أن حكومة أخنوش بنت فكرها على وعود انتخابية قوية حملت في طياتها الكثير من الوعود المالية، وغلب الخطاب المالي على الرؤية السياسية المستقبلية للعمل الحكومي، وسيطر فكر العطاء على فكر المشاركة والعمل والإبداع، جعل فكر الحكومة يتأسس على عود انتخابية، اصطدمت بواقع الممارسة السياسية وبتقلبات وتغييرات الوضع السياسي والاقتصادي، كما انبنى فكرها على خلق خصم معين اختارته من الحكومة السابقة وفي العدالة والتنمية وإلصاق الفشل في تدبير عدد من الملفات إلى الحكومة السابقة ونهج فكر المواجهة مع خصم ضعف أمره وضاعت هيبته السياسية وتراجعت قوته التدبيرية على إثر الاجتثاث الكامل من التدبير الذي لم يتطلب إلا يوما واحدا في 8 شتنبر، هذا النوع من الانتصار جعل حكومة أخنوش تكتفي به كإنجاز واحد والترويج له كنوع من تخليص المغاربة من الإسلام السياسي، الأمر الذي أدخل فكر الحكومة اليوم في مرحلة عطالة فكرية، دفعها إلى الاستعانة ببرامج موجودة مع إضافة لمستها وبعض البهارات والماكياج للاستيلاء عليها وبيعها.
وبالرغم من حمل الحكومة لمفهوم الدولة الاجتماعية، يبقى الأمر قاصرا على طريقة تدبيرها مع ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية للمغاربة، وتراجع معدلات الاستهلاك، وتظل المشاريع الملكية انطلاقا من ورش تعميم الحماية الاجتماعية وتوفير اللقاحات المجانية وإصلاح المنظومة الصحية للمغاربة، التجسيد الفعلي والحقيقي لفكر الدولة المتمثل في مبادرات جلالة الملك والتنزيل الفعلي لمفهوم الدولة الاجتماعية، الذي تحاول حكومة أخنوش الترويج له كمنتوج حكومي، في محاولة واهية للاستيلاء على مجموعة من الأوراش، بعدما فقدت الحكومة فكرها وضاع نهجها وضعفت قدرتها، وغاب فيها الانسجام حتى تحولت أغلبيتها في بعض الأحيان إلى معارضة، وتوقف ميثاقها الأغلبي الذي عرف توقيعا لثلاثة أمناء ووضع في الرفوف، كما غاب زعماء أغلبيتها عن الإعلام والحوار والنقاش، الذي هو السبيل الوحيد لمعرفة فكر هذه الحكومة ونهجها السياسي في تدبير أمور العباد والبلاد….
طارق ضرار