عندما تقدم المؤسسة الأمنية حصيلتها السنوية نكون أمام إحصائيات أكثر مصداقية من غيرها، لأنها مؤسسة غير انتخابية، وإن كان الأمر يتطلب حتى من هذه الأخيرة تقديم إحصائيات مضبوطة ومعقولة، وهي ليست مؤسسة للبروباغندا بقدر ما هي مؤسسة للعمل الجدي وفي الميدان دون أن تكون في حاجة إلى الإعلان عن ذلك، لكن التصريح بما يتم القيام به يوميا والتصريح بالحصيلة السنوية هو من باب “ربط المسؤولية بالمحاسبة” من جهة ومن باب طمأنة المواطن.
ربطا للمحاسبة بالمسؤولية تقول هذه المؤسسة وينبغي أن نقولها نحن المواطنين أن الأمن يعطي أكثر مما يأخذ، ولسنا بصدد الحديث عن مجتمع ملائكة، ولكن مواطنين، هم أبناؤنا وإخوتنا وبنو جلدتنا فيهم المخلص وفيهم ما دون ذلك، لكن حديثنا هنا عن السيستام الذي يحكم ويتحكم في هذه المؤسسة، منذ وصول عبد اللطيف حموشي إلى رئاستها، حيث رفع شعار “اللي فرّط كرط”.
لكن على العموم يمكن اعتبار المؤسسة الأمنية مختلفة تماما عن باقي الوظائف باعتبارها مبنية على التضحية أكثر من القانون المنظم للعمل، حيث يسهرون كي ننام نحن، ويتعرضون للمخاطر كي ننجو منها نحن، ويواجهون تحديات الجريمة بكافة أشكالها، وخطورة المجرمين، ويواجهون الجريمة المنظمة والعابرة للقارات وشبكات الاتجار الدولي في المخدرات والبشر، يعني مافيات، كما يواجهون الإرهاب وكل التحديات.
الطريقة التي يشتغل بها عناصر الأمن تتطلب احتضانهم اجتماعيا بدل أن يكونوا خصوما للمجتمع باعتبار أي متضرر يلجأ إليهم أولا، وأي خائف يشعر بالأمان فور ظهورهم، بل إن حركة سيارات الأمن في الشارع والدراجات النارية، تشعر المواطن بالآمان.
هنا نجد أن المسؤولية تعلن عن الحساب قبل أن يحاسبها أحد وأن المؤسسة أشد احتراما لمقتيضات الدستور من غيرها.
والحصيلة كما قلنا ليست هنا للدعاية أو التباهي لأنه لن ينتج عن ذلك شيء. ليست هناك مكاسب من ورائها، ولكن من حيث السلوك الاجتماعي فالحصيلة تزرع الاطمئنان داخل المجتمع.
لما تعرف بأن الأمن توصل بمليوني مكاملة وتم معالجتها بالكامل وتصدى لعشرات القضايا واعتقل مئات المنحرفين وفك لغز عشرات الوقائع، تعرف بأن وراء الراحة والطمأنينة التي نعيشها جهدا متواصلا بالليل والنهار عيونا ساهرة لا تنام ولا تعرف الراحة نهائيا.
ونكاد نجرم بأن المؤسسة الأمنية، طبعا بكافة تشكيلاتها، هي التي لا تعرف لحظة فراغ في عملها، بمعنى كل شغلها متواصل ما يكاد الواحد ينهي مهمته حتى يسلمها لآخر ولا يترك أحد موقعه حتى يحتله من يعوضه استمرارا للأمن ومواجهة للتحديات التي يطرحها التطور المجتمع، الذي تنتج عنه تحديات كبرى في السوسيولوجيا تتطلب جهدا مضاعفا من حيث الخبرة العلمية والعملية وتطويرا لأدوات الفهم والعمل.
الحصيلة التي بين أيدينا هي حصيلة الشرف مقارنة مع ما تتوفر عليه المؤسسة من موارد مالية وبشرية غير كافية وتتطلب تعزيزا قويا يراعي تطور المجتمع.