في سياق تفعيل التحولات التشريعية الأخيرة التي عرفها النظام الجنائي المغربي، أكد محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن نتائج تطبيق العقوبات البديلة أبانت عن فاعلية ملموسة مقارنة بالعقوبات السالبة للحرية، سواء على مستوى محاربة العود أو من حيث التكلفة المالية على الدولة.
وخلال افتتاح اليومين الدراسيين حول العقوبات البديلة، المنظمين من طرف رئاسة النيابة العامة بشراكة مع مجلس أوروبا يوم الأربعاء 7 ماي 2025، أوضح عبد النباوي أن هذه العقوبات أثبتت نجاعتها في التقليص من معدلات العودة إلى الجريمة، مبرزاً أن من خضعوا لعقوبات بديلة أظهروا نسباً أقل في العود مقارنة مع المدانين بعقوبات حبسية.
وأشار رئيس النيابة العامة إلى أن هذه الآلية الجديدة للعقاب يمكن أن تكون أكثر نجاعة خصوصاً في الجرائم المرتبطة بالإدمان، حيث بيّنت التجارب أن إدماج المتعاطين في برامج علاجية ضمن العقوبات البديلة ساعد على تجاوز حالات الإدمان بشكل أفضل من الزج بهم في السجون.
فعالية وتكلفة أقل
من جهة أخرى، أكد عبد النباوي أن العقوبات البديلة تُعد أقل كلفة للمجتمع، بل قد تصل نسبة التوفير إلى عشرة أضعاف في بعض الحالات، وهو ما يجعلها خياراً عقلانياً من حيث النجاعة المالية، بل وحتى “مربحة للمجتمع”، كما هو الحال مع الغرامات اليومية التي لا تُحمّل دافعي الضرائب أي عبء إضافي.
وقال المتحدث ذاته إن المغرب بات اليوم مطالباً بالانخراط الفعلي في تطبيق القانون الجديد، معتبراً أن صدور النصوص القانونية ليس غاية في حد ذاته، بل بداية لمسار تفعيل يتطلب جاهزية مؤسسات العدالة، بدءاً من القضاة إلى كتابة الضبط، مروراً بالأطر السجنية، داعياً إلى اعتماد هذه العقوبات كبدائل حقيقية وليست شكلية.
من البديل إلى الردع المناسب
ودعا عبد النباوي القضاة إلى الانتباه إلى أن العقوبة البديلة يجب أن تكون بديلاً فعلياً لعقوبة حبسية مقررة، وليس وسيلة لإصدار عقوبات مخففة على أشخاص لم يكونوا معرضين أصلاً للحبس، مشدداً على ضرورة تخصيص نوع العقوبة البديلة المناسبة لكل حالة، حتى تحقق أثرها الردعي والإصلاحي المنشود.
وفي هذا الإطار، شدد رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية على أهمية قبول المجتمع لهذا التحول في السياسة العقابية، معتبراً أن نجاح هذه الإصلاحات يمر عبر قناعة مجتمعية بجدوى هذه البدائل، والقطع مع النظرة التقليدية التي تختزل العقوبة في السجن فقط.
واختتم عبد النباوي مداخلته بالتأكيد على أن تقييم هذه التجربة يقتضي مرور فترة زمنية كافية، يتم فيها تفعيل القانون، وتقييم مخرجاته، واستخلاص مكامن القوة والضعف سواء في النص التشريعي أو في آليات تطبيقه، مؤكداً أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية سيتولى تتبع هذا الورش من موقعه كمؤسسة دستورية معنية بتخليق العدالة وتطويرها.