تشكل عودة عبد الإله بنكيران إلى الأمانة العامة للعدالة والتنمية حدثا فارقا، فبعدما ظنه خصومه أنه توارى إلى الخلف في انتظار ملك الموت ها هو يعود من جديد، وهي عودة بطعم انتصار لم يكن متوقعا، بل حتى على المستوى النفسي لعبت دورا كبيرا، فبنكيران، العائد لتوه من عملية جراحية بباريس، أصبح بقدرة قادر غير محتاج للأدوية ولا عكاز يتوكأ عليه.
لقد ساهمت عوامل كثيرة في عودته، وطبعا ليست هزيمة الحزب المذلة، الذي تراجع من الرتبة الأولى انتخابيا إلى الثامنة، ومن 125 مقعدا نيابيا إلى 13 فقط، سوى عامل واحد، وربما كان بمكنته أن يمهد الطريق لقيادة جديدة، لكن أخطاء خصومه شكلت رافعة قوية له من أجل العودة وبشكل قوي.
هزيمة حزب العدالة والتنمية مثّلت اندحارا للقيادة السابقة، وما لم يكن ظاهرا هو أن بنكيران كان يريد هذه الهزيمة وهو أكثر الناس فرحا لها، لأنها هي التي أعادته للحياة السياسية، بعد أن أصبح مقتصرا على ما يسمى “10 دراهم تعبئة ولايف”، التي من خلالها استطاع هزم التواصل عند التجمع الوطني للأحرار، المكلفة به واحدة من أكبر الشركات المتخصصة التي يوجد مقرها بالدارالبيضاء.
فالذي سرّع بعودة بنكيران ليس أخطاء قيادة العدالة والتنمية، ولكن الأخطاء السريعة للحكومة الجديدة بقيادة عزيز أخنوش، التي تتميز بالسرعة في كل شيء، بل هي الحكومة التي رفعت السقف عاليا قبل الانتخابات، ونقصد الأحزاب المكونة لها، وقدمت للناخبين وعودا فلكية، ولم تعمل بمبدإ الزمن لكن بمجرد حصولها على التنصيب تنكرت لكل شيء وبالجهر والعلن.
حكومة وعد رئيسها بزيادات لموظفي التعليم قدرها 2500 درهم ووعدهم بالترسيم كما وعدهم حزب الاستقلال، لكن اليوم نرى أن فوزي لقجع، الوزير الذي لم يحصل على التفويض بعد ويحاجج البرلمانيين فقط بسلطة الأرقام المتوفرة لأي واحد يريدها، يحسم الأمر ويقول إنه لا تراجع عن التعاقد الجهوي، بينما الوزير بنموسى المعني بأكبر ملف في هذا الشأن يقول إن القضية مفتوحة للحوار والنقاش.
وهنا الفرق بين وزير رغم أنه فقط تمت صباغته بلون التجمع لكنه يفهم في السياسة، بينما لقجع ومن معه وخصوصا “تجمع المصالح الكبرى” لا يهمهم أن يريب المعبد على من فيه وما فيه بشرط نجاحهم هم فقط.
أخنوش اليوم أمام ورطة كبيرة حيث لن يجد ما يعطيه للذين وعدهم بتعويضات قدرها 300 درهم عن كل طفل متمدرس في الخصوصي، ولن يجد ما يمنح لكبار السن، الذين لا يحصلون على المعاش.
لعل هذا ما كان يقصد بنكيران بالتماسيح والعفاريت، التي تكلّف بمحاربتها، ونعرف أن بنكيران يحسبها جيدا وهي محسوبة له، وبالتالي عودته ستكون مفتاحا للتصدي لحكومة متسرعة في كل شيء، لا لأن بنكيران رجل مقدام ولكن لأنه يتقن التواصل السياسي.