كشف مصطفى فارس الرئيس الأول لمحكمة النقض، أن ” الظواهر الإجرامية العالمية، أضحت اليوم ذات انعكاسات قانونية وحقوقية وأخلاقية سلبية مثل جرائم الاتجار بالأشخاص التي تمس مختلف البلدان سواء كانت دولة المنشأ أو نقطة العبور أو مقصدا للضحايا، كما أصبح الجميع يعاني من آثار الجرائم المرتكبة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي يزيغ بها البعض عن أهدافها الخيرة الايجابية إلى خلق عواصف إجرامية مدمرة تصيب فئات المجتمع على اختلاف مراتبها ومواقعها وصفاتها”، موضحا أنها “جرائم ذات أبعاد وانعكاسات متعددة وخطيرة يتعين دراستها وإيجاد مقاربات مشتركة ناجعة للتصدي لها”.
و دعا مصطفى فارس، ” القضاء الإسباني الى شراكة قوية بين المؤسستين وفق برنامج عمل مكثف ورؤية واضحة بأهداف محددة تعكس الإرادة صادقة لتطوير العدالة ببلدينا وإيجاد حل ملائم للإشكاليات التي تفرضها علينا حركية الإنسان والأفكار ورؤوس الأموال بين الضفتين”.
وشدد فارس، خلال اللقاء القضائي المغربي الإسباني السابع، بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ومحكمة النقض بالمملكة المغربية والمجلس العام للسلطة القضائية والمحكمة العليا بالمملكة الإسبانية، صباحا بمراكش، على أن القضاء المغربي والإسباني، أمام تطورات لها وقع كبير وعميق على القانون وعلى المؤسسات القضائية والإدارية، في عالم يتغير بشكل يصعب على أي مؤسسة لوحدها أن تسايره سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وأخلاقيا بفعل الآثار المتسارعة للثورات الإعلامية والتكنولوجية والبيولوجية، مما يجعلنا ملزمين معا جنبا إلى جنب بإعادة النظر في آليات اشتغالنا وتطوير علاقتنا الثنائية وتكثيفها في المرحلة المقبلة.
وأشار فارس، الى أن “موضوع الكفالة والتبني الدولي يبقى من المواضيع الأسرية المحورية المتطورة التي سنكون سعداء بوضع تصور موحد بشأنها بالنظر لحجم الجاليات والمواطنين المقيمين بالبلدين وبالنظر لمتطلبات الخصوصية وشروط الاندماج، وأن تكون مناسبة نبرز فيها أوجه التقارب بين نظامينا ونقترح حلولا تشكل أرضية لتطوير النصوص التشريعية والاجتهاد القضائي”.
وأوضح فارس، أن ” الأرقام الرسمية تبرز التطور الهام لحجم المبادلات التجارية بين الشركات المغربية والاسبانية والمنحى التصاعدي لمعدلات الواردات والصادرات بين البلدين وهو ما يجعل من اللازم مواكبتها قضائيا وقانونيا من خلال البحث في مختلف الضمانات التي تشجع هذه الاستثمارات وتحسن مناخ الأعمال وبما يكفل أيضا حقوق الجميع ومنهم العمال الموسميون الذين يعدون بالآلاف بحثا عن تطوير قدراتهم المهنية وأوضاعهم الاجتماعية ويسعون إلى ممارسة كل حقوقهم في إطار من الضمانات التي تصون كرامتهم”.
وشدد فارس، على أن “السلطة القضائية اليوم أصبحت مرتكزا أساسيا لدولة الحق والمؤسسات وإنفاذ القانون وهي تؤدي دورا محوريا من اجل تخليق الحياة العامة وأداء المسؤوليات بكل مواطنة وشفافية وضمير، وهي مهام بكل تأكيد تتطلب الكثير من العمل الاستراتيجي ومن التعاون مع باقي السلط وطنيا ودوليا، وتقتضي بالضرورة ضمان حماية كبرى للقضاة باعتبارهم قطب الرحى في هذا الورش الإصلاحي الكبير، وهي كلها محاور تثير العديد من الإشكاليات والتحديات نرجو من خلال هذا اللقاء الاستفادة من تجربة مجلسكم وخبرته الطويلة الممتدة لعشرات السنين”.
وأشاد رئيس المحكمة العليا والمجلس العام للسلطة القضائية الإسباني كارلوس ليسميس سيرانو بالتقدم الحازم للمملكة المغربية في التزامها باستقلال وفعالية نظامها القضائي منذ المصادقة على الدستور الجديد لعام 2011 مشيرا إلى ” أن النموذج المغربي للسلطة القضائية الذي بدأ منذ ذلك التاريخ ” هو بدون شك مثال يحتذى به بالنسبة للعالم العربي”.
و شدد الرئيس ليسميس، على الأهمية الفائقة للتعاون الدولي بين إسبانيا والمغرب، مؤكدا أن اللقاء القضائي الذي افتتح بمراكش ” هو انعكاس واضح للوضع الأمثل للعلاقة التي تربط بين المملكتين الإسبانية والمغربية “، كما أضاف ” أن السلطة القضائية هي واحدة من المؤسسات التي ترتكز عليها دولة الحق والقانون، و لذلك ينتج دائما عن كل التحسينات و التقدمات التي تشهدها تقدم كبير بالنسبة للمجتمع الذي تحمي حقوقه ومصالحه، ولهذا السبب أرى أن هذه اللقاءات القضائية بين المغرب وإسبانيا تكتسي أهمية قصوى، لأننا نتعلم من بعضنا من خلال تبادل الأفكار والخبرات في المجال القضائي، ونتشارك بيننا المعرفة التي تساعدنا على التفكير، فلا يمكننا الرفع من قدراتنا المؤسسية والقضائية إلا من خلال توحيد الجهود”.