دعا فارس الرئيس الأول لمحكمة النقض، قضاة المغرب الى وضع النصوص التنظيمية والتشريعية سواء منها المسطرية أو الموضوعية المطبقة على المتقاضين تحت مجهر الفحص والتدقيق للبحث في مدى نجاعتها وجودتها وعدالتها.
و كشف مصطفى فارس الرئيس الأول لمحكمة النقض، خلال ندوة الودادية الحسنية للقضاة، حول موضوع “الإدارة القضائية وقواعد الحكامة الجيدة “، صباح أمس، على أن “الحكامة القضائية حكامة تطرح إشكالات كبرى ترتبط بالضمانات الحقيقية لاستقلال السلطة القضائية وبعلاقاتها التنظيمية والقانونية والواقعية مع باقي السلط والمؤسسات، وتفاعل المجتمع المدني والحقوقي، وكيفية تدبيره آليات الشفافية والتتبع والرقابة والمحاسبة.
وتساءل فارس، عن دور التكوين كرافعة أساسية في مجال تفعيل المكتسبات التي راكمتها التجربة القضائية المغربية من أجل ممارسة سليمة للمهنة بكل حمولاتها الأخلاقية والقيمية، مؤكدا أن” التحدي الكبير الموضوع أمام القضاة هو توفير الآليات الملائمة والحقيقية لتجسيد هذه الحكامة، والبحث عن الميكانزمات وتوفير الشروط الكفيلة بإيجاد نموذج مغربي متميز، ينهل من التجارب الإنسانية العالمية، ويراعي في نفس الآن خصوصيات تراثنا الأثيل، ومقوماتنا الأصيلة، والتراكمات الحقوقية والإصلاحية التي عرفتها بلادنا على مدى سنوات الماضية “.
وأفاد فارس، أن الاهتمام بالحكامة دفع الى تنظيم دورة تكوينية لفائدة المسؤولين القضائيين في مجال تطوير المهارات وتنمية القدرات في مجال الإدارة القضائية ، و بعث مجموعة من القضاة الى دورات تدريبية بمجموعة من الدول الرائدة في مجال الخدمات القضائية الإلكترونية، والعمل على إتمام عدد من المشاريع الخدماتية الإلكترونية وإعطاء الانطلاقة لإتفاقية التوأمة مع المجلس الأعلى البلجيكي ضمن برنامج الدعم الأوروبي للعدالة ببلادنا مستهدفين من ذلك بناء ممارسات فضلى لعمل المجلس خاصة في مجال تقوية القدرات والتكوين وتعزيز آليات النجاعة وضمان الاستقلال الإداري والمالي وتكريس قيم التواصل والتحسيس.
وشدد فارس، على تكريس مبادئ الحكامة وإعادة النظر في تنظيم وهيكلة المرافق القضائية وتحديث إدارتها، والعمل على المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إلى المرفق العمومي، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، بما يتلاءم والمتغيرات الدستورية والإدارية الجديدة ببلادنا ومعطياتها السوسيو اقتصادية والثقافية، والنجاعة في أداء الخدمات، والجودة، والشفافية،والنزاهة، والمراقبة والتقييم، والمحاسبة والمسؤولية وتقديم الحساب عن تدبير الأموال العمومية، واحترام القانون والحياد.
ودعا الرئيس الأول لمحكمة النقض، الى تجاوز النقائص التي تعرقل الحكامة القضائية، موضحا أنها” متعددة المصادر والمستويات حيث تم تشخيصها بشكل دقيق في أكثر من محطة وأعد بشأنها تقارير وطنية ودولية مما يتعين الآن الانكباب عليها بكل حزم بشكل شمولي مندمج وإرادة جادة للتعاون من أجل توفير كل الوسائل والآليات المادية والبشرية والتقنية والقانونية للسلطة القضائية حتى تؤدى الأدوار المنوطة بها خدمة للوطن وللمتقاضين.
وشدد فارس على ” أن موضوع الحكامة، يعد من المحاور الأساسية الكبرى ذات الأولوية في الإصلاح، وهو حَمّال أوجه كما يقال، إذ تختلف بشأنه المقاربات والتصورات ، ويستدعي عند الغوص في تفاصيله استحضار أدبياته ومصادره الدولية والإقليمية والوطنية وهو ما يفرض التعامل معه بمنهج الاجتهاد الخلاق والرؤية المقاصدية المتفتحة، وأوضح ” أن السياقات التاريخية والدستورية والقانونية والحقوقية لموضوع الحكامة القضائية تفرض علينا إبداء ملاحظات أساسية منها أن مصطلح ” حكامة ” أصبح من أكثر المفاهيم تداولا وحضورا في كل الخطابات والتقارير والدراسات المعاصرة وطنيا ودوليا والذي يتم إقرانه عادة بوصف أو نعت أو بمكان أو بحال معين ” حكامة سياسية “، ” حكامة أمنية “، ” حكامة مالية “، ” حكامة ترابية “، ” حكامة افريقية “، ” حكامة حضرية “.
وأفاد فارس، أن الحكامة مصطلح ومفهوم أصبح يكتسي بالنسبة لنا بالمغرب التزاما منهجيا وواجبا مؤسساتيا وذلك بنص الدستور وديباجته حيث اعتبره من المرتكزات الأساسية لمؤسسات الدولة وكذا بمقتضى المرجعية الملكية الإصلاحية التي حثت على تأهيل الهياكل القضائية والإدارية وتحديثها وكذا اعتماد منهج قضائي عقلاني يستجيب لمتطلبات الإصلاح وجعل القضاء في خدمة المواطن من أجل قيام عدالة متميزة بقربها من المتقاضين وببساطة مساطرها وسرعتها ونزاهة أحكامها وحداثة هياكلها.